فأما عن (عثرت به) فقد قلت إن المعنى الذي أريد التعبير عنه هو العثور بالشيء أي ملاقاته اتفاقاَ، ولم أرد (العثور عليه) أي الاطلاع الذي يدل على علم ومعرفة وبحث وجهبدة لا أدعيها.
والذي يدهشني هو تفضل هؤلاء العلماء بلفت نظري إلى مختار الصحاح ودوائر المعارف وتراكيب اللغة الإنجليزية وهذه كلها مراجع ما كنت أحلم بوجودها.
وآفة هذه المهازل هي قول بيكون:(العلم الصغير شيء خطر) وهذا طبعاَ لا علاقة له بالعلماء الكبار أمثال الكرملي وزكريا إبراهيم؛ وهما بلا ريب يعلمان أن لغات العالم كلها مجازاة ميتة وأن تلك المجازاة رغم موتها تحتفظ دائماَ بشيء من معناها الحقيقي.
فأنا عندما أقول (عثرت بالشيء) مفسراَ بقولي (وقعت عليه) يكون معنى ذلك أنني اطلعت عليه ولكن مصادقة كما يعثر حافر الجواد بأحد الكنوز. وبذلك أعبر عن المعنى الذي في قلبي تعبيراَ لا تحققه (علي) بما تفيده من إلى غاية وسعي لبلوغها.
ثم إن مسألة الصحة والخطأ في اللغات أصبحت مسألة تافهة لا يحرص عليها في غير مجال التعليم المدرسي. وأما العلم فقد تقدم وأصبحت المناهج تاريخية فترى العلماء اليوم لا يقررون الخطأ والصواب في اللغات وإنما يستقرون الاستعمالات عند كبار الكتاب ويفسرون ما يطرأ على اللغة من تطور. ومن الغريب أن نظل نحن متردين في طرق التفكير التي تخلص منها العالم المتحضر منذ أكثر من قرن. فاللغة العامية ذاتها ليست مجموعة أخطاء، وأنما هي تطور عادي مألوف في كل اللغات. واللغة الفرنسية والإيطالية كذلك ليستا أخطاء اللغة اللاتينية.
وإذن فكلام الكرملي وكلام زكريا إبراهيم حذلقة تافهة ومماحكات لا علاقة لها بمناهج البحث في اللغات التي لم تعد تقريرية في شيء.
وأما عنصر الثبات في اللغة وهو ما يطالب به الأستاذ زكريا حتى لا يصير الأمر فوضى، فذلك مالا أستطيع أنا أن أدخله في اللغة بل ولا المجمع اللغوي نفسه. عنصر الثبات هو استعمال كبار الكتاب لمفردات اللغة وتراكيبها، ثم قراءة مؤلفات كبار الكتاب في المدارس