فقد ظلت معرضة لوابل النيران التي كانت تنصب عليها جزاء على اتجارهم بالدين. واتخاذهم من أسم الله ذريعة لجلب المنفعة لأشخاصهم، ويرى فيها الكونت جويدو منفيلترو الذي خدعه البابا بونيفاشيو. . ويرى بياتريشي حبيبته في طبقات الجنان مستمتعا عن طريق الخيال بما لم يستطعه لدى الحقيقة. ووصف استقبالها عند باب الجنان وصفا هو أخصب ناحية في أدبه. وسنذكر ذلك الوصف كاملاً غير منقوص حين الحديث عن الموازنة بين الخيالين عند الشاعرين. أفرأيت إذن كيف كانت الحوافز النفسية الخاصة تدفع كلا من الشاعرين أن يتخيل تلك الرحلة العجيبة؟ نعم كل منهما كان في نفسه نزوع لما كتب.
هل سرق دانتي رسالة المعري؟
مسألة طال حولها الحوار والجدل، ولم نر دليلاً مادياً على السرقة أو على البراءة منها. ولكن قوما يردونها. . فقد قال الأستاذ محمد كرد علي إن أعمى المعرة كان معلماً لنابغة إيطاليا في الشعر والخيال. وبعض الباحثين من المستشرقين في أوروبا على أن دانتي في روايته الإلهية قد اقتبسها - ولا سيما الجحيم - من رسالة الغفران للمعري.
وقال جورجي زيدان: إن المعري توفي سنة ٤٤٩هـ ودانتي توفي سنة ٧٢٠هـ، وملتن الإنجليزي توفي سنة ١٠٨٤هـ. فلا بدع إذا قلنا باقتباس هذا الفكر عنه. وأقدمهما (دانتي) لم يظهر إلا بعد احتكاك الإفرنج بالمسلمين والإيطاليان أسبق الإفرنج إلى ذلك.
ذلك هو رأي جورجي زيدان توسع فيه حتى أدخل ملتن أيضاً في الاقتباس من المعري وحجته تأخر الزمن بدانتي وملتن واحتكاك الإفرنج بالمسلمين، فهل ذلك كله ينهض دليلاً على اقتباس الفكرة أو يكفي برهانا على الأخذ؟ المسألة لا تعدو الحدس والظن. وأما لنرى البراهين تنحاز دانتي فتبعده عن الأخذ وعن الاقتباس.
فقد بدأ حياته يتعلم الدين، يكفل ثقافته القديس فرانشكو
ولقد كان عصره عهده قوة سلطان الباباوات والكهنة. ولن يقوم لهؤلاء سلطان إلا بقوة النزعة الدينية. وإبان ذلك تتكاثر صور الجنة والنار واردة في أخيلة الناس وأذهانهم. أليس في نشأته الدينية، وفي عهده المليء بالتعصب الديني ما يكفي في أن ترد الجنة والنار في خياله؟ على أن فكرة الجنة والنار والنعيم والجحيم تدور برؤوس الناس منبلج الصباح