وأفول الشمس في كل يوم. فهي حق شائع لجميعهم لا يعده الأدباء أخذاً. ولم أنهم عدوه لكان كل شعرائنا وأدبائنا سراقا. ولكان امرؤ القيس سارقا لأنه بكى الديار كما بكاها أبن حذام من قبله، إذ يقول امرؤ القيس
عوجا على الطلل المحيل لعلنا ... نبكي الديار كما بكى أبن حذام
وإنما الذي يعده الأدباء سرقة هو أخذ الفكرة النادرة التي ينفرد واحد بها. أو الترتيب الذي لا يستطيعه إلا الشواذ والأفذاذ فهل سرق دانتي الترتيب من رسالة الغفران؟ اللهم لا
فحراس الجحيم في خيال المعري ملائكة، وفي خيال دانتي شياطين، وأشخاص الرواية عند المعري شعراء ورواة. وعند دانتي رجال دين وعصاة ومذنبين، والجنة عند دانتي تسعة أقسام لكل قسم طائفة عملوا الخيرات كل على حسب عمله. وعند المعري ثلاثة أقسام (جنة الجن) وجنة (الرجاز) والجنة الأصلية.
وقد بلغ المعري أسمى خياله لدى وصفه الفردوس. كما كان أخصب النواحي خيالا عند دانتي هو وصف الجحيم
وسنعرض لذلك بالموازنة التامة (إن شاء الله)
على أنه إن كان لا بد من أن نتهم الشاعر الطلياني بالاقتباس. فأولى أن نعتقد أخذه من فرجيليو الذي كان دليله في رحلته وهاديه في ظلمات الجحيم. ولفرجيليو هو الآخر رحلة في أعماق الجحيم هي أقرب لخيال دانتي من رسالة الغفران.
ولقد كانت لدانتي أحلام فيها ملائكة وفيها موتى، هي إرهاص ومقدمة لرسالته العتيدة.
فقد رأى في حلم من الأحلام أنه ضل في غابة موحشة فأطلت عليه محبوبته بياتريشي في سحابة من الملائكة وعليها لهب قرمزي كأنه اللهب المتأجج. وخيل إليه أنه يتغلغل في عالم الأموات.
كما تحدث في بعض أشعاره قائلا: ها أنذا جالس في مكاني أذكرها وأذكر أيامها السعيدة فيلوح لي كأن ملائكة من السماء تهبط من عل وتأخذ أماكنها على المقاعد الموجودة حولي.
فإذا ضممنا لذلك كله أن حبه ألهمه خيال الجنة ليستمتع بمن أحب، وأن بغضه لمن حاربوه ونفوه وشردوه يوحي إليه أن يتخيلهم في دركات الجحيم، وأن تلك طبيعة النفس تشره لنيل آمالها ولو عن طريق الخيال. عرفنا براءته من السرقة.