ارتكبها رجل الظلم والإرهاب من شنق أحرار العرب والتنكيل بأسرهم والتقليل من أمجادهم، مما لم يعرف التاريخ في صفحاته له مثيلاً؛ وكذلك كان لبعض رجال العرب من الذين أفلتوا من قبضة الظلم والإرهاق فلجئوا إلى مصر والعراق والحجاز، يد كبيرة في إثارة (الرأي العام العربي) على الترك، وتنفيره منهم، وتفهيمه (القضية العربية) على وجهها الصحيح، وفي إعداده للثورة الكبرى والغضبة المضرية العظمى طلباً للثأر والانتقام، كما بكى شعراء العرب وكتابهم في مصر والعراق والحجاز وأمريكا الشهداء الأبرار، مستنزلين سخط العالم المتمدن على الطغاة الظالمين
ويجب علينا هنا قبل الحديث عن وقائع الثورة وحوادثها أيضاً درس العلاقات التي كانت قائمة بين زعيم الثورة شريف مكة، وبين الاتحاديين الترك قبل الحرب الماضية، فإن هذا الشريف لم يبق في استطاعته أن يتجنب الاصطدام بالترك، وأن يحجم عن مصارحتهم الشر والعدوان بعد ما وصلت الحالة في بلاد العرب إلى الدرجة القصوى من الانحطاط والعدوان، رغم اصطناع المودة بينهما، وقد ظل كل فريق يبديها للفريق الأخر حتى اللحظة الأخيرة لظهور نيات الترك واضحة جلية إزاء (الحسين) شريف مكة، وإزاء أولاده أولاً، وإزاء قومه العرب ثانياً، وما كان هؤلاء يضمرون شراً للدولة العثمانية؛ وما كانوا - علم الله - يتمنون زوالها أو الخروج عن طاعتها لولا إنها بادتهم الشر
والواقع إنه كانت هناك جملة عوامل بعضها شخصي، وبعضها قومي، وبعضها ديني ترغم (الحسين) على التفكير فيما فكر فيه قبله عزيز مصر الخالد (محمد علي الكبير) في العمل على وحدة العرب، وضم شملهم، ولم شعثهم، وتأسيس دولة عربية كبرى لهم، تعيد مجدهم التليد، وعزهم المجيد. وهذه العوامل نفسها هي التي أهابت (بالحسين) لركوب هذا المركب الخشن، الوعر المسالك، العويص المرامي واضطرته إلى أن ينقض عهده مع الدولة العثمانية، وساقته إلى محالفة بريطانيا العظمى بعدما عرضت عليه من الشروط الرائعة ما يغري كل عربي، وأعلنت استعدادها لتنفيذ كل ما يطلبه. فأهم العوامل المباشرة للثورة العربية الكبرى إذن هي: