أرزاق الجند فسكنوا واستقامت الأمور للقاهر. وعظم في القلوب، وزيد في ألقابه:(المنتقم من أعداء دين الله)، ونقش ذلك على السكة،. . . قال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق: حدثني الراضي، قال: لما قتل القاهر مؤنساً ويلبق وابن يلبق أنفذ رؤوسهم إلي مع الخدم يتهددني بذلك وأنا في حبسه لأني كنت في حجر مؤنس؛ ففطنت لما أراد وقلت:(ليس إلا مغالطته) فسجدت شكراً لله وأظهرت للخدم من السرور ما حملهم على أن جعلوا التهدد بشارة، وجعلت أشكره وأدعو له فرجعوا بذلك)
وروى ابن الأثير (المتوفى سنة ٦٣٠هـ) قصة هؤلاء ثم أضاف إلى ذلك قوله: (. . . ومضى حتى دخل على مؤنس فوضعهما بين يديه، فلما رأى الرأسين تشاهد واسترجع ولعن قاتلهما. فقال القاهر جروا برجل الكلب الملعون؛ فجروه وذبحوه وجعلوا رأسه في طشت، وأمر وطيف بالرؤوس في جانبي بغداد ونودي عليها: هذا جزاء من يخون الإمام ويسعى في فساد دولته. ثم أعيدت ونظفت وجعلت في خزانة الرؤوس كما جرت العادة. . .)
وقد نقل إلينا شاهد عيان، أعني به ثابت بن سنان (المتوفى سنة ٣٦٥هـ) خبراً طريفاً عن أحد هذه الرؤوس، فقال:(حدثنا سلامة الطوراني الحاجب إنه لما أخرج إليه رأس مؤنس ليصلحه؛ فرغ الدماغ منه ووزنه، فكان ستة أرطال، وسمعت أنا ذلك من الجفني وكان حاضره)
(ب) رأس نازوك، رأس أبي الهجاء بن حمدان
قام هذان القائدان بفتنة كبيرة أدت إلى خلع المقتدر بالله من الخلافة في يوم السبت النصف من المحرم من سنة ٣١٧هـ، وتقليد القاهر بالله، ثم رد المقتدر إليها ثانية في يوم الاثنين السابع عشر من المحرم، أي بعد ثلاثة أيام! فكان جزاء هذين القائدين القتل ودفع رأسيهما إلى خزانة الرؤوس. وقد تبسط في هذا الحادث التاريخي الخطير جملة من المؤرخين، منهم مسكويه، فمما قاله في هذا الشأن أن الرجالة (وصلوا إليه (إلى نازوك) وقتلوه، وقد كانوا قتلوا قبله عجيباً وصاحوا: مقتدر يا منصور. . .)، ثم قال:(وصلب الرجالة نازوك وعجيباً على خشب الستارة التي على شاطئ دجلة. . .)
وواصل كلامه حتى جاء على خبر أبي الهيجاء إذ قال (. . . فرماه خمار جويه بسهم