والقراءات التي من أمثالها (فتثبتوا) بدل (فتبينوا) و (وعدها أباه) بدل (وعدها إياه) لا ترجع في تعليلها إلى اختلاف لهجات العرب - كما يقول صادقاً الأستاذ عبد المتعال الصعيدي - وإنما هي إلى باب التصحيف أقرب؛ وقد نص على ذلك بعض العلماء كما سنذكره.
والتصحيف كما يجده اللغويون هو:(أن يأخذ الرجل اللفظ من قراءته في صحيفة، ولم يكن سمعه من الرجال فيغيره عن الصواب)، راجع قول السيوطي في المزهر.
فالتصحيف إذن خطأ منشؤه الوهم؛ ولا ينبغي أن نتبعه إلا ريثما نهتدي إلى النطق الصحيح فنعدل إليه. . .
والآن يحق لنا أن نتساءل: كيف وقعت هذه التصحيفات على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تكن حاجة المسلمين يومئذ ماسة إلى القراءة في صحيفة، استغناء منهم بقراءة الرسول وقراءة أصحابه ممن أجادوا النقل عنه؟. . . وإذا كانت تلك التصحيفات قد وقعت بعد عهد الرسول، فكيف راجت وتداولتها ألسن القراء حتى أصبحت من القراءات المعروفة، مع أنها تصحيف كان ينبغي العدول عنه بمجرد الوقوف عليه؟. . . لا نستطيع أن نؤيد الأستاذ عبد المتعال في قوله:(لعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يعين أمثال تلك المواضع، أو كانت ترد إليه فيقر ما يراه منها) لأن هذا إنما كان يحدث في المواضع التي تختلف فيها اللهجات؛ فتقرأ اللفظة بأكثر من لهجة واحدة تخفيفاً عن مسلمي العرب من مختلف القبائل، ولاسيما أن المعنى في كل ذلك واحد لا يتغير. أما أن يحدث هذا في مثل قوله: وعدها أباه معدولاً بها عن وعدها إياه، وقوله فتثبتوا بدل فتبينوا، مما لا يبدو فيه اختلاف في اللهجة مع ثبوت التغير في المعنى؛ فذلك أمر يحتاج إلى بحث دقيق وتمحيص واف حتى نعرف عن يقين مأتى هذه القراءات وأصل اعتمادها.
ويهمنا هنا أن نقول إنه إذا كان بعض المفسرين يعدون هذه الأمثلة من القراءات، كالزمخشري صاحب الكشاف، فإن آخرين من جلة العلماء يعتبرونها تصحيفاً، كجلال الدين السيوطي صاحب (المزهر) التي ادرج أمثلة منها ضمن الفصل الذي عقده بعنوان (التصحيف والتحريف) ص٢٣٠ ج٢ من كتابه. قال - نقلاً عن بعض المجاميع -: