فمن هذا يتضح أن العثور على الشيء يفيد معنى ملاقاته اتفاقاً، حتى أن هناك تعبيراً مشتقاً من هذه الكلمة وهو (عثري) يوضح هذا المعنى بشكل أظهر، إذ ورد في لسان العرب:(هو من عثري النخل، سمى به لأنه لا يحتاج في سقيه إلى تعب بدالية وغيرها، كأنه عثر على الماء عثراً بلا عمل من صاحبه). فالعثور إذن لا يفيد معنى العلم والجهبذة؛ وهو المعنى الذي شاء تواضع الأستاذ مندور أن ينفيه عن نفسه، وإنما يفيد معنى الملاقاة العرضية التي تتم بغير قصد
وأما (عثر به) بهذا المعنى، فلم أجدها في أي معجم من المعاجم التي رجعت إليها، وأحسب أنها من اختراع الأستاذ الفاضل، وقد كان موفقاً في التمثيل لها بعبارة من صوغه فقال:(. . . كما يعثر حافر الجواد بأحد الكنوز. . .)!
بقيت مسألة أحب أن أقف عندها وقفة طويلة، وتلك هي مسألة الحرية اللغوية التي يدعو إليها الكاتب، وقد سبق لي أن أشرت إلى هذه المسألة إشارة غامضة، ولكني أحب أن أعود إليها فأسهب في الحديث عنها، حتى أعرف ماذا يقصد الأستاذ مندور بقوله:(إن مسألة الصحة والخطأ في اللغات أصبحت مسألة تافهة لا يحرص عليها في غير مجال التعليم المدرسي). وماذا يعني بقوله:(وإذن فكلام الكرملي وكلام زكريا إبراهيم حذلقة (كذا) تافهة، ومماحكات لا علاقة لها بمناهج البحث في اللغات التي لم تعد تقريرية في شيء)؟
ولما كان المجال لا يتسع هنا للحديث عن هذه المسألة الهامة، فإني أرجئ الكلام عنها إلى عدد قادم، كما أرجئ التعقيب على رأي الأستاذ مندور في تعريب الأسماء الأعجمية إلى حين يقرأ الأستاذ الفاضل البحث الذي وجهت نظره إليه، ولعلي يومئذ لا أكون بحاجة إلى التعقيب أصلاً
(مصر الجديدة)
زكريا إبراهيم
حول اختلاف القراءات في القرآن
من المعلوم أن المسلمين على عهد الرسول كانوا يتلقون القرآن منه سماعاً، ويطوون صدورهم عليه حفظاً وفهماً، دون ما حاجة منهم إلى النظر في شيء من آياته مخطوطاً. .