بدأت أستعرض ذكريات التاريخ الذي هو جزء منا، وأتحدث عنها، ودمشق عاصمة وثغر ورباط للعلم وموئل للعز التالد وللمجد القادم، كلما دخلتها شعرت بأن مصر تعيش في دمشق، كما أشعر في القاهرة بأن الشام تعيش بمصر. انظر إلى مساجد العاصمتين: تجد وحدة البناء والزخرفة، ووحدة التفكير والروح. أنظر إلى مئذنة الجامع الأموي الواقعة على يمين مدخله، ألا تذكرك بمآذن الأزهر بالقاهرة؟ وانظر إلى مئذنتي الغورى وقايتباي بمصر، ألا تذكرك بمآذن الشام؟
وأذكر أنني خرجت يوماً من الجامع الكبير فوقفت على قبر صلاح الدين وواصلت سيري إلى المجمع العلمي ومنه اتجهت إلى الظاهرية، فإذا أمام ما سطرته يد الزمن السالف الغابر لأقرأ ما يأتي:
(بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بإنشاء هذه التربة المباركة والمدرستين المعمورتين المولى السلطان الملك السعيد أبو المعالي محمد بركة بن السلطان الشهيد الملك الظاهر والمجاهد ركن الدين أبو الفتوح بيبرس الصالحي أنشأها لدفن والده الشهيد وألحق به عن قريب فاحتوى الضريح على ملكين عظيمين ظاهر وسعيد. أمر بإتمام عملها السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي قسيم أمير المؤمنين خلد الله سلطانه)
هذه دار العقيقي من رجال الدولة الفاطمية المصرية، بنيت منذ تسعة قرون ولا تزال حجارتها العتيقة ظاهرة وفاصل البناء تلمسه بين القديم وما استجد في أيام السعيد. ارجع إلى مدخل الظاهرية وانظر إلى جمال الباب وتناسقه والى المقرنصات بسقفه، إنه لتحفة من ريازة القرن السابع الهجري فإذا اخترقت الباب فاتجه يميناً إلى القبة
هنا ضريح الملكين الشهيدين تحت قبة قد ازدانت جدرانها بالفسيفساء قلد راسمها جدران المسجد الأموي ورسومه، فإذا اتجهت إلى المحراب تجده تحفة أخرى من زخرفة هذا العصر يمتاز بالصدف الملبس في أعلاه وجوانبه فجاء كإطار ركب حول العمودين. اقرأ الآية التي كتبت على اليمين:(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله) وعلى اليسار: (وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) أما ما تحت الفسيفساء من الجدران فقد ركب عليه الرخام المجزع، اختلف صديقان لي في أصله أهو من الشرق أم من الغرب.
ووقفت أمام هذا الضريح وقد غمرتني نفحة فانتبهت أمام رهبة الراقد كأني أتلقى الأمر