ممن كانت بيده مقاليد آلاف الرجال وأعنة آلاف الخيل، وأحنيت رأسي احتراماً وإجلالا إذ هنا الملك الظاهر من كان اسمه يدوي في أرجاء ممالك ثلاث قارات من العالم المعروف في عصره. ومرت أمامي أدوار البطولة والمجد التي أوحتها إلي هذه البقعة الطاهرة
قد مر بمخيلتي في تلك اللحظة لفتة من الدهر تملأها الثقة بالنفس وتمثل الإرادة القوية التي أنشرها لاعتقادي ووثوقي في أن الأمة التي تحترم نفسها هي التي تشيد بأبطالها، وحينئذ تستحق احترام العالم المتمدين وتقديره لها.
كان عصر الظاهر عصراً فذاً في التاريخ ماجت فيه الأمم والشعوب والجماعات، وتمخضت أيامه بالحوادث الجسام والمعارك الكبرى، وقذفت فيه الأقدار بقوات هائلة من الخير والشر معاً؛ وكان هذا الركن من العالم الذي نعيش فيه الآن، يواجه أشد الأخطار ويمتحن بأقوى المحن التي مرت في تاريخه - فهو لم يكن قد أفاق بعد من النكبة الكبرى والصدمة المروعة التي أصابته في بغداد يوم استباحها هولاكو سنة ٦٥٦ وكان صدى استشهاد الخليفة العباسي لا يزال يهز النفوس ويدوي في الدنيا
كانت النكبات تتوالى من ذات اليمين وذات الشمال؛ وهذا العالم العربي يعاني الشدة أثر الشدة ويقارع ويكافح ضد الفناء أمام قوات تفوق طاقته وقد انسابت عليه من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق، والناس في دهش يتساءلون أأذنت الساعة؟ لم استعجلهم ربهم بالعذاب؟ (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض، أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون)
(قرآن كريم: الأنعام)
إن ما أصاب الشرق العربي في ذلك العصر الرهيب كان من قبيل الانقلابات الأرضية التي تثيرها عوامل الطبيعة فتدك الأرض دكاً وتهبط على أثرها المحيطات وتظهر بعدها القارات، أو كأعاصير هائلة برق ورعد وظلمات، ثم يعقبها طوفان يأتي على الأخضر واليابس ويهدم أحسن ما بناه الإنسان وما أخرجه العقل البشري. كان هذا حال أجدادنا في القرن السابع الهجري حينما قذفت عليهم الأقدار بتيارات متعاقبة من جماعات البشر تهاجمهم في عقر ديارهم فتخرجهم منها، وتنتزع من أيديهم فلذة أكبادهم وتهدم وتحرق