للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولما قامت الحرب الإسبانية حولها الألمان إلى معمل تجارب لقيادتهم العسكرية، فيها يحللون ومنها يستنبطون، يلقون فيها بالسلاح الجديد يبلونه؛ ويقحمون نظرياتهم في تكتيكات فرنكو يختبرونها. واستمرت الحرب بين مد وجزر؛ وكان الجمهوريون كلما اكتسحتهم الدبابات ذعروا، وارتدوا إلى الوراء، والتجئوا إلى مدنهم يحتمون بها بعد أن كانوا حماتها؛ وكم دهشوا حين لم تخذلهم هذه كما خذلوها

لم تقف المدن في وجه الدبابات سداً منيعاً كما كانوا يأملون (وهم في قرارة نفوسهم من ذلك يائسون)، بل ظهرت لهم بمظهر جديد، لا تتمنع للداخلين بل تغريهم وترحب بهم، فإذا أصبحوا وسطها وخبروها، وجدوها الهوة التي ليس لها قرار، تجتذب الأجساد إلى الأعماق ولا تلفظ إلا الأرواح

استدعى ذلك الحال من الألمان لفتة أو لفتين، ولكنهم لم يعلقوا به كبير اهتمام، بل ظنوا الأمر طارئاً أسبابه ظرفية أكثر من أن تكون فطرية، فهذه حرب ليست ككل الحروب، هي حرب أهلية بين أفراد جنس واحد، انحدر من فرع لاتيني (وكم كان التتون يحتقرون اللاتين!)، وهذه الخطط هي من عصارة عقولهم، هم الجرمان، فهذا الأمر إذن لا يحتمل أدنى شك ولا يقبل أي جدال: كل نجاح هو إذن وليد خططهم ونظرياتهم، أما كل نقيصة أو كل خذلان فهو راجع لا محالة إلى طرق اللاتين في التنفيذ

اندلعت الحرب في سبتمبر سنة ١٩٣٩، وتدفقت جيوش الألمان على بولندا، جارفة ما في طريقها من رجال وعتاد وحصون وقلاع، ولكن. . . ما هذا؟ رينهارت يصد؟. . . رينهارت الفذ يصل إلى غرضه ثم يرتد. . .؟، تخطى الجنرال رينهارت حدود بروسيا الشرقية على رأس جيشه المدرع أول أيام الحرب متجهاً صوب (وارسو)، ولكنه ما وصل إلى شوارع العاصمة البولندية حتى دفع إلى الخلف، وهجم الألمان ثانية ثم ثالثة، ولكنه في كل مرة كان على أعقابه يُرد.

تمزقت بولندا شر ممزق وقُطعت أوصالها تقطيعاً، وهرست أرضها هرساً، ووارسو لا تزال صامدة. نحن في أول أيام الحرب وكل قائد ألماني متعطش إلى إحراز السبق في النصر، ليسمع من زعيمه كلمة الثناء الموعودة، وينجز لبلاده ما ألقت عليه من أعباء؛ هذا فون بوك قد هصر الممر البولندي هصراً وهبط كالصاعقة من الشمال الغربي، وهذا فون

<<  <  ج:
ص:  >  >>