فراخٌ بأيكٍ فمن ناهضٍ ... يروض الجناح ومن أزغب
وصور غفلتهم عن المصير المرتقب فقال:
مقاعدهم من جَناح الزمان ... وما علموا خَطَر المركب
وقد جاد الوحي على شوقي ببيتين في غاية من العذوبة والصدق، أما البيت الأول فهو قوله في تلوين حيوية الأطفال:
عصافير عند تهجّي الدروس ... مهارٌ عرابيد في الملعبِ
وأما البيت الثاني فهو قوله في اختلاف الإحساس باختلاف أوقات الجرس:
لهم جرَسٌ مُطربٌ في السراح ... وليس إذا جدَّ بالمطربِ
وهل ينسى المدرسون لا التلاميذ أن جرس الانصراف محبوب الرنين، وأن جرس الدرس بغيض الضجيج؟
وأذكر من باب الفكاهة أني كنت أشرح لأحد نظار المدارس قيمة الطرافة في هذا البيت فقال: إن شوقي نسي جرس الغداء! ثم قال شوقي:
جنون الحداثة من حولهم ... تضيق به سَعةُ المذهب
عدا فاستبدّ بعقل الصبيّ ... وأعدى المؤدب حتى صبى
والغرض قد التوى على شوقي في هذين البيتين بعض الالتواء، لأنه ساوى بين الجنونين: جنون الأطفال وجنون المعلمين
وأخطأ شوقي في اختيار كلمة (المؤدب)، والصواب أن يقول (المعلم). فهناك فرق بين التأديب والتعليم، فالتأديب هو التثقيف، والتعليم هو الترتيب. وفي كلام الجاحظ عبارة تفصح عن الفرق بين المؤدب والمعلم، وتدل بوضوح على أن المؤدبين أكبر من المعلمين
ثم نقل شوقي تلاميذه من المكتب إلى المدرسة ثم إلى الحياة فقال:
فيا ويحهم! هل أحسوا الحياة ... لقد لعبوا وهي لم تلعب
تجرب فيهم وما يعلمون ... كتجربة الطب في الأرنب
سقتهم بسم جرى في الأصول ... وروَّى الفروع ولم ينضب
ودارَ الزمان فدال الصِّبا ... وشب الصغار عن المكتب
وجدَّ الطِّلاب وكدَّ الشبا ... ب وأوغل في الصعب فالأصعب