بشيء أو دنوه منه حتى يمسه أو يكاد. ففي قولك (ألصقت شيئاً بشيء) تقع الباء في معناها الأول وهو الإلصاق الحقيقي. وفي قولك (مررت بزيد) تكون مجازاً لأنها تدل على الدنو والمقاربة الشديدة، كأنك ألصقت مرورك بالمكان الذي يتصل بمكان زيد. وينتقل الحرف من معناه الحقيقي إلى معناه المجازي بدليل من الفعل الذي يشترك معه في الدلالة. ولذلك تخرج من معناها الحقيقي إلى معنى السببية أو التعليل أو المصاحبة أو الاستعانة مما يذكر في باب معانيها، ولكنها في جميع ذلك تدل على الإلصاق الحقيقي أو المجازي
فإذا جاءت الباء بعد فعل يقتضي معناه بذاته أو بدلالته معنى من الإلصاق، تعين لها أن تكون واقعة في معناها الحقيقي، ويكون دخولها مبالغة في إظهار معنى الإلصاق. وذلك كقولك:(أمسكت الشيء)، و (أمسكت بالشيء) فالباء هنا تزيد في معنى الفعل تقوية الإمساك إذ أن الإلصاق مما يدل عليه هذا الفعل بدلالة التضمن أو الالتزام
فإذا قلت (عثر الرجل بحجر) فمعناه كما بينا آنفاً (صدم الرجل حجر فكاد يسقط). والباء قد دخلت على الفاعل الحقيقي للعثرة وهو (الحجر)، فهي إذن مكملة لمعنى الفعل، ولم تأت لتعدية الفعل إلى مفعول، كالذي يكون في قولك (ذهب الرجل) و (ذهب الرجل بمحمد)
فإذا كان الفعل دالاً بالتضمن على الصدم، والصدم يقتضي الإلصاق، وجاءت الباء مكملة لمعنى (عثر) تجر وراءها الفاعل الحقيقي للصدم، فالباء إذن ستزيد في معنى الفعل، وذلك بأن تظهر الصدم - المقتضي للإلصاق - بعد أن كان مكتوماً في الفعل، ويقوي ذلك أيضاً ظهور الفاعل الحقيقي للعثرة بعد أن كان مكتوماً في (عثر)
فقول الأستاذ (مندور) إنه أراد بقوله (عثرت بالشيء) إنه لاقاه اتفاقاً غير ممكن؛ لأن الباء وافقت الفعل فزادت في الإبانة عما يضمره من دلالة (الصدم) الحقيقي، ولم يكن فيها من المخالفة ما يحمل هذا الفعل على الميل إلى المجاز (أي إلى الصدم المجازي). وليس من شك في أن قوله (لاقاه اتفاقاً) مجاز في تأويل (عثر بالشيء)، فإذا كانت الباء إنما تزيد حقيقة الفعل قوة وبياناً، فكيف إذن تصير بعد ذلك مجازاً بغير عامل يحملها إلى المجاز؟
وقد يستخدم مع هذا الفعل حرف آخر هو (في) فتقول (عثر الرجل في ثوبه) إذا كان واسع الثوب طويل الذيل، فهو يطأ بعض ذيله كلما مشى، فتشد الوطأة الثوب عليه، فيميل كأنه يتهيأ للسقوط فيتماسك