فهذا الحرف (في) يدل في أصل معناه على الظرفية الزمانية أو المكانية، وينسحب بها على سائر معانيه. وهو بذلك يدل على استقرار لا على حركة كالحركة التي تكون في الإلصاق. ولما كان الفعل يدل دلالة ظاهرة على حركة السقوط وجاء الحرف (في) يطالب الحركة بالاستقرار، أسرع الفعل إليه، وذلك إنه حين يقول لك (عثر الرجل) لم تكد تجاوز تصور حركة السقوط حتى يفجؤك بقوله (في ثوبه)، فيطالبك بإقرار هذه الحركة ثم تصورها في جوف الثوب. وهذه السرعة التي يتطلبها الانتقال تضعف دلالات الفعل التي كان يدل عليها مستقلا بذاته أي في قولك (عثر الرجل) مجردا، وهي كما ذكرناها آنفاً: فاعل حركة السقوط، وفعله وهو الصدم، وحالة التنبيه والتماسك قبل السقوط، وعدم التوقع أو الاتفاق
فدخول (في) على (الثوب) أبعدت عن أول التصور أن يكون الثوب فاعل الصدم المؤدي إلى حركة السقوط، وبذلك أيضاً أضعفت دلالة الفعل على (الصدم)، إذ أن (الصدم) لا يشبه أن يكون من فعل الثوب؛ فيتغير ما يتضمنه الفعل (عثر) من الدلالة، وتضمن وطء الثوب المفضي إلى شده
ولما كان لابس الثوب الطويل ينبغي له أن يعلم أن طوله يؤدي إلى وطء ذيله فيعثر، اختفت من الفعل - إلا قليلا - دلالة الاتفاق من غير تعمد. ولذلك تستطيع أن تقول (جاء فلان يعثر في ثوبه)، ولا تستطيع أن تقول (جاء فلان يعثر بثوبه)، لأن الأولى قد ذهب منها الاتفاق من غير تعمد، فجائز أن تستمر، وأما الأخرى فمحتفظة بالاتفاق من غير عمد، فهي لا يمكن أن تستمر.
ومع ذلك فهذا الحرف (في) لم يستطع أن يغير من حقيقة (عثر) لأنه دان منها، أو هو مستقر لها، إذ سوف تنتهي حركتها إلى استقراره
وأما (على) فحرف يدل على الاستعلاء في جميع معانيه دلالة مطلقة، والاستعلاء المطلق لا يوجب الإلصاق كما في الباء، ولا يوجب الاستقرار كما في (في). فاستعمالها مع (عثر) سيحدث في معناها أثراً جديداً ينقلها من حال إلى حال
فحين تقول (عثرت على الكرسي) يقتضيك فيها معنى (عثرت) - وهو تهيؤك للسقوط وتماسكك دون السقوط - ألا تجعل معنى (على) استعلاءً ملاصقاً كما في قولك (وقعت على الكرسي)، وذلك لأنك لم تسقط بل كدت ثم تماسكت. وإذن فالحرف (على) هنا يدل على