من يستعرض خزانة الرؤوس في دار الخلافة العباسية ببغداد، ير فيها رؤوس أمراء، ووزراء، وقواد، وصنوف شتى من طبقات الناس، من عرب وأمم مختلفة، ولكنها لم تكتف بهؤلاء أصحابا، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، إلى رؤوس أفراد بيدهم تدبير الملك وسياسة الرعية، أولئك هم الخلفاء؛ وإن في هذا الأمر الخطير لعبرة مؤلمة وموعظة بليغة.
كان رأس الأمين أول ما وضع من رؤوس الخلفاء في هذه الخزانة. ولا ندري أوضع بجانب رأس بهبوذ الزنجي، أم إلى جانب غيره من رؤوس المارقين العابثين، أم أفرد له فيها مكان خاص؟ ومهما يكن من أمر فهو لم ينج من هذه الخزانة العجيبة. وأمر الأمين مشتهر يوم نكب، ويوم قتل وقطف رأسه، ودعنا نأخذ بعض خبره، وخبر رأسه من شيخ المؤرخين محمد بن جرير الطبري؛ فانه روى في ماجريات سنة ١٩٨هـ هذه الأحدوثة (. . . قال: فقمت فصرت خلف الحصر المدرجة في زاوية البيت، وقام محمد (الأمين) فأخذ بيده وسادة وجعل يقول: ويحكم أني ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا ابن هارون، أنا أخو المأمون، الله الله في دمي. قال: فدخل عليه رجل منهم يقال له خمارويه غلام لقريش الدنداني مولى طاهر، فضربه بالسيف ضربة وقعت على مقدم رأسه، وضرب محمد وجهه بالوسادة التي كانت في يده، واتكأ عليه ليأخذ السيف من يده، فصاح خمارويه: قتلتني قتلتني بالفارسية. قال: فدخل منهم جماعة فنخسه واحد منهم بالسيف في خاصرته، وركبوه فذبحوه ذبحاً من قفاه، وأخذوا رأسه فمضوا به إلى طاهر وتركوا جثته. قال: ولما كان في وقت السحر جاءوا إلى جثته فأدرجوها في جلد وحملوها. . . قال: وبينا نحن كذلك إذ هدة تكاد الأرض ترجف منها، وإذا أصحاب طاهر قد دخلوا الدار وأرادوا البيت، وكان في الباب ضيق، فدافعهم محمد بمجنة كانت معه في البيت، فما وصلوا إليه حتى عرقبوه ثم هجموا عليه فحزوا رأسه واستقبلوا به طاهراً وحملوا جثته إلى بستان مؤنسة إلى معسكره؛ إذ أقبل عبد السلام بن العلاء صاحب حرس هرثمة، فأذن له، وكان عبر إليه على الجسر الذي كان بالشماسية. فقال له: أخوك يقرئك السلام فما خبرك؟ قال: يا غلام هات الطس فجاءوا به وفيه رأس محمد. فقال: هذا خبري فاعلمه. فلما أصبح نصب رأس محمد على باب الأنبار؛ وخرج من أهل بغداد للنظر إليه ما لا يحصى عددهم. وأقبل طاهر يقول: رأس المخلوع محمد. وذكر عنه (عن الحسن ابن أبي سعيد) إنه ذكر أن