ترجمته إلا استطاع أن يعلم أن عمر بن الخطاب كان عادلاً وكان رحيماً وكان غيوراً وكان فطناً وكان وثيق الإيمان عظيم الاستعداد للنخوة الدينية). وبعد أن يحدثك بأن هذه الصفات مكيفة فيه وأنها تتجه (إلى جهة واحدة، ولا تتشعب في اتجاهها طرائق قدداً كما يتفق في صفات بعض العظماء). وأن هذه الصفات يتمم بعضها بعضاً (حتى كأنها صفة واحدة متصلة الأجزاء متلاحقة الألوان) يمضي فيقول: (وأعجب من هذا التوافق بين صفاته أن الصفة الواحدة تستمد عناصرها من روافد شتى ولا تستمدها من ينبوع واحد، ثم هي مع ذلك متفقة لا تتناقض متساندة لا تتخاذل كأنها لا تعرف التعدد والتكاثر في شيء)
وهل تراه يقف بك عند هذا الاستقصاء البعيد أو يقنع بما قدمه من بحث ليس وراءه من مزيد؟ إن فلسفته لتأبى عليه إلا أن يمعن في الاستيعاب ويبالغ في الدرس فيقول (وما العدل والرحمة والغيرة والفطنة بغير الإيمان الذي هو الرقيب الأعلى فوق كل رقيب، والوازع الأخير بعد كل وازع، والمرجع الذي لا مرجع بعده لطالب الإنصاف)(إن إيمان عمر هو الضابط الذي يسيطر على أخلاقه وأفكاره، كما يسيطر على دوافعه وسوراته) ثم لا تدعه فلسفته العميقة حتى تظفره بسر لم يهتد إليه أحد من قبل ذلك هو (مفتاح الشخصية العمرية) ذاك الذي عرفه الأستاذ العقاد بأنه (السمة التي تميزه بين العظماء حتى في الإيمان، وسيطرته على الأخلاق والأفكار والدوافع والسورات، فإن الإيمان ليقوى في نفوس كثيرات ثم تختلف آياته وشواهده باختلاف تلك النفوس. . . والذي نراه أن (طبيعة الجندي) في صفتها المثلى هي أصدق مفتاح (للشخصية العمرية) في جملة ما يؤثر أو يروى عن هذا الرجل العظيم)
ولم يستأثر بهذا المفتاح بل تناوله بيد ماهرة وفتح به مغاليق هذه النفس الكبيرة ليبين للناس بقلمه البليغ خصائص عظمتها وما استفادت الحياة منها مما يجعلك تشهد مقراً بنفاذ بصره وقوة ذهنه
وبحسبك أن تراه لا يتولى ناحية من نواحي هذه العظمة إلا أتى على أطرافها وأحاط بجميع أكنافها، ولا درس جانباً من جوانبها إلا هتك من سره، وأظهر المكنون من أمره
ولا نذهب نستزيد في بيان ما اشتمل عليه كتاب (عبقرية عمر)، لأن ذلك يحتاج إلى مقالات مستفيضة، وإنما نجعل كلمتنا دالة تشير إلى جملة هذا الكتاب دون تفصيله، فإذا لم