أشاء كما أشاء، أو أفكر فيما أشاء عندما أشاء، أو أرجع إلى ذخائر الذاكرة أستثير منها ذكريات الماضي البعيد أو القريب، وأنها لمفعمة الأسرار، بعضها خاص لا يذاع، وبعضها عام سوف ينشر يوماً من الأيام. حينذاك يستقر رجل الأسرار مبتسماً هادئاً في مكانه المختار، ثم يتنفس في عمق واسترخاء وسكون. يا له من شعور لذيذ كامل الصفاء. هيهات هيهات للشباب أن يدرك مداه أو يفهم معناه؛ لأن الشباب كما قلت دائب الحركة، يعدو ويلهث وراء متع ليس فيها ري ولا شبع، ووراء فرص الحياة يطاردها في حماسة الصبا، وخلابة المطامع وسراب الغايات.
هذا هو الشباب. وهذه هي الكهولة.
فوداعاً يا شبابي فقد كانت سعادتي بك أضعاف أضعاف ألمي منك
ومرحباً بالكهولة فقد سعدت بمقدمها، واستبشرت بطلائع ثمارها، وأصبحت لا أقوى على فراقها الآن. ورحم الله المتنبي الذي قال:
خُلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا