(ألم تر كيف صار فلان عضواً بمجلس النواب، وفلان عضواً بمجلس الشيوخ، وفلان وكيل وزارة، وليس منهم من يدانينا جاهاً وثروة. إنك ما تزال جاهلاً بأمور دنياك فاسكت وأطع)
قلت نعم إني أصغر منك سناً، وربما كنت أقل تجربة، ولكني سأصارحك برأيي فيمن ينبغي أن تكون لهم هذه المراكز العليا: هي يا سيدي لمن يقال له هي لك، لا لمن يقول هي لي. هذه هي الحقيقة برغم القوانين، وبرغم الشرائع. . .
ثم لزمت الصمت ولزمه. حتى إذا تنفس الصبح وبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، عمدت إلى معطفي المبلل فوضعته فوق كتفي، وهممت بالخروج من المسجد، فنظر إلي صاحبي نظرة تساؤل فلم آبه به، ولم أحفل بما نمت عنه نظراته، بل ألقيت على الباب نظرة وعلى النعش أخرى، وكأنما يحدثهما قلبي هاجساً: عندكما يقف كل مغرور بدنياه
وامتطيت جوادي. وأدرت وجهه نحو الجنوب، ومضيت أضرب في ذلك القفر، ولكن إلى عشي، إلى زوجي وأولادي؛ إلى موضع حبي وحنيني. إلى من هم لعيني النور، ولقلبي الرجاء، ولحياتي الأمل، ولنفسي الطمأنينة. إلى وكري الصغير الذي أصبح لي في جنبات هذه الدنيا الصماء الغرور، بمثابة البيضة والعش، والسكن والوطن والكون