للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصحن فإذا بالباب مغلق، ومن دونه دريئة هي نعش من خشب يحمل الموتى إلى أول السفر وآخر المعاد.

جمدت هنالك ذا هلاً عن جوادي وعن صاحبي أتأمل النعش ومن ورائه الباب. فكل من يحمل في ذلك النعش، لابد له من إنه يجتاز ذلك الباب. فإذا جاوزه، فإلى سفر الأبد المديد.

الباب والنعش. ثم صلاة تقام تكفيراً واستغفاراً، فإذا دلف به الدالفون نحو الحفرة العميقة، فقد دلفوا به ليسلموه إلى الآخرة، ثم فلسفة في شعر:

تطوِّف ما نُطوِّف ثم نأوي ... ذوو الأموال منَّا والعديم

إلى حفر أَسافلُهنَّ جرف ... وأعلاهن سفاح مُقيم

ثم تأملات رهين المحبسين:

سأفعل خيراً ما استطعت فلا تقم ... عليَّ صلاة يوم أصبح هالكاً

فما فيكم من خَيِّر يُدّعى به ... يُفرِّج عني بالمضيق المسالكا

ومن ذا الذي أستنجد به هنالك ليفرح عني في ذلك المسلك الرهيب: النعش ومن ورائه الباب. ليس ثمة من شيء غير عزيمتي. وأنا حي بيني وبين النعش والباب شقة، بعدها بعد الشرق من الغرب:

والشرق نحو الغرب أقرب شقة ... من بُعد تلك الخمسة الأشبار

فأزحت النعش جانباً، واقتحمت الباب، فإذا الظلام مخيم على صحن المسجد والرياح حيرى في جوانبه، تنهد منحدرة من منافذه العليا، فتدور متلوية، ثم تندفع نحو الباب، كأنها أسير أفلت من قيود الحديد:

تمشي الرياح به حْيرى مدلَّهة ... حسرَى تلوذ بأكناف الجلاميد

خلعت معطفي وألقيت به جانباً، وجلست مسنداً ظهري إلى الجدار البارد المقرور، وما لبث كبيرنا أن انتحى موضعاً آخر، ثم التفت إليَّ وقال:

(إذا بزغت الشمس يممنا نحو (غرور)، فقابلنا عمدتها ووجهاءها، واستوثقنا من أنهم سوف يعضدوننا، ثم انحدرنا نحو (زفر) فنأخذ على أهلها المواثيق ونقيدهم بالعهود ثم. . .)

غير إنه لزم الصمت إذ بادرته بسؤال لم يكن يتوقعه من فتى ينتمي إليه بروابط الرحم: فصرخ مهتاجاً:

<<  <  ج:
ص:  >  >>