للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شئت)

تلك كانت أغانيه. إن فيها حنينا ولوعة، كأنها نغمات من نغمات مالارميه أو فيرلين

وما زال (روديل) يسعى حتى سافر مع أهل الصليب. وقطع طريقه يغني، ويمني نفسه بحلاوة اللقاء. وما كادت الباخرة تقرب من طرابلس حتى فاض سروره وزاد وجده. لقد كاد يرى ميليزاند وهاهو ذا قصرها ينادي الناس. فيغلب عليه الوجد، ويطغى عليه الفرح؛ فيعل ويمرض، ويحمل إلى المدينة، ويوضع في كوخ حقير، وهو يلفظ أنفاسه

وأسرعوا إلى الأميرة الحسناء فحدثوها عنه (لقد كان يغني مع الموج أغنيات حبه، وكان ما يفتأ يلهج باسمك ويسبح بجمالك. . .) فخفت إليه. ولما اقتربت منه، وأسندت إلى صدرها رأسه، دبت في جسمه الحياة ففتح عينيه، وأرهف أذنيه، وتدفق الدم في خديه، وجلس يسمعها أشعاره، ويؤنسها بأغانيه فتطرب ميليزاند، وتنحني فتيل بثغرها الريان فمه وشفتيه

وعجب الناس من الأميرة كيف تحيي الموتى، وعجبوا من العاشق الميت كيف يحيا. . .؟

وما أشبه ميليزاند، بمحبوبة الأعشى التي قال فيها:

لو أسندت ميتاً إلى صدرها ... عاشَ ولم يُنقلْ إلى قابر

حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجباً للميت الناشر

وأخذ (روديل) يحدثها عن تهيامه وتحنانه، وأخذت تطرفه بأعذب الأحاديث، حتى إذا قص عليها كل شيء وأسمعها كل شيء، عاد، فأغمض عينيه. . . ومات

وأعجب الناس بروديل، وجعلوا حبه أسطورة. فرنت في أوربة ودوت؛ وهام الناس بالشرق. وجعلوا الأميرة ميليزاند رمزا. . . وصوروها واقفة على شاطئ البحر، بين يدي الأمواج تنادي الأمراء، وتنادي الملوك، وتنادي الناس (تعالوا وانظروا إلى الأميرة البعيدة. . . تعالوا إلى البلاد المقدسة)

صلاح الدين المنجد

٣ - خزانة الرؤوس

في دار الخلافة العباسية ببغداد

للأستاذ ميخائيل عواد

<<  <  ج:
ص:  >  >>