الوسطى والعليا يكاد يختار زوجه على السماع دون أن يراها، إذ لا حيلة له رؤيتها قبل أن يعقد العقد وتنقل إلى منزله. فيستحيل لذلك أن يكون هناك محبة متبادلة قبل الزواج. والحقيقة أن الجنسين معاً تثقل عليهما القوانين والعادات الجائرة، ولكنهما من حسن الحظ يعتبران هذه القيود ملائمة مشرفة. وقد يشعران بالعار في التخلص من هذه العادات. وقد لاحظت أن الحجاب الواقع على النساء يكون باختيارهن إلى حد كبير. وأعتقد إنه أقل صرامة في مصر منه في أي بلد آخر من بلاد الدولة العثمانية. ومن المؤكد إن هذا الحجاب اقل جداً مما صوره لي الكثيرون. وينظر النساء إلى هذا الاحتجاب بفخر من حيث إنه يدل على عناية الزوج بهن. كما أنهن يقدرن أنفسهن بقدر حجبهن كالكنوز ولا يليق في المجتمعات الطيبة أن يستفسر المرء بطريقة مباشرة عن حال زوجة الصديق أو امرأة ما في منزله إلا إذا كانت قريبة له. وسأل أحد معارفي المصريين آخر كان في باريس عن أغرب الأشياء التي رآها في بلاد الكفار فأجابه الآخر: إن كل ما شاهده حري أن يثير إعجاب العاقل البعيد عن التعصيب ولم أر شيئاً يستحق الاعتبار مثل هذه الحال: فقد جرت العادة في باريس وغيرها من مدن فرنسا أن يدعو كل من الأغنياء والعظماء أصدقاءهم ومعارفهم رجالا ونساء معاً إلى حفل في منزله. ويستقبل الضيوف في غرف تضاء بعدة شموع وقناديل. وهناك يختلط الرجال بالنساء، وأولئك كما تعلم سافرات. ويستطيع الرجل أن يجالس زوجة رجل آخر وهو لم يرها من قبل. ويستطيع أن يسايرها ويحادثها ويراقصها أيضاً في حضور زوجها الذي لا يغضب ولا يغير لمثل هذا السلوك المخزي)
يشتهر المصريون أيضاً بكرمهم وجشعهم على السواء. وإن اجتماع مثل هاتين الصفتين المتناقضتين في ضمير واحد قلما يدهش. ولكن هذا هو الحال مع هذا الشعب. ويعتبر الغش والمكر في التجارة، وذلك في جميع الشعوب، إحدى نقائص المصريين الذائعة. وقلما يتردد المصري في مثل هذه الأحوال عن الكذب ليكسب. ويميل الشعب الذي يئن تحت نير الجور والجشع، الذي امتازت به حكومات مصر طويلا، إلى الشح دائماً. لأن المرء بالطبع يتمسك بما هو أكثر عرضة للضياع. ولذلك يعمد المصري المضيم إذا ملك مبلغاً من المال لا يلزمه حالا إلى شراء مصاغ لامرأته أو لنسائه، إذ يسهل عليه تحويل المصاغ ثانية إلى