نقود. ومن ثم أيضاً جرت العادة في هذا البلد، وفي أكثر البلدان التي تخضع لهذه الظروف السياسية، أن يخبئ الرجل أمواله في منزله تحت البلاط أو في أي موضع آخر. ولما كان الكثيرون من هؤلاء يموتون فجأة دون أن يطلعوا أسرهم على مكان المخبأ فإن من المألوف أن تكتشف نقود عند هدم المنازل. وهناك رذيلة تقرب من الجشع وهي الحسد. وأعتقد أنها تكثر بين المصريين المحدثين والشعوب العربية بأجمعها على السواء. ويعترف الكثيرون مدفوعين بسلامة النية أن هذا الميل الكريه يكاد يتركز في أذهان شعوبهم تماماً.
والمصريون أمناء في الوفاء بديونهم. وقد بين الرسول صلعم أن لا شيء حتى الاستشهاد، يكفر عن دين لم يوف. وقل من المصريين من يقبل فائدة على قرض أقرضه إذ أن الشرع يشتد في تحريم ذلك.
إن دوام الصدق فضيلة نادرة للغاية في مصر الحديثة. وقد ترخص الرسول في الكذب إذا وفق بين الناس في منازعة أو أرضى زوجة أو أفاد في حرب على أعداء الدين. غير أن الكذب في أحوال أخرى محظور بشدة. ويبرر ذلك بعض التبرير عادة الكذب السائدة بين العرب المحدثين إذ أن السماح لشعب بالكذب في أحوال يعوده بالتدريج الكذب في غيرها. ومع أن أكثر المصريين يكذبون عمداً فقلما تسمعهم يرجعون عن تحريف غير مقصود دون أن يقولوا:(لا. أستغفر الله إنه كذا وكذا) كما يقولون عندما يقررون شيئاً لا يتأكدون منه تماماً: الله أعلم
ويمكنني أن أذكر هنا، وأنا أشعر بالفخر، الحادث التالي: كان في القاهرة صائغ أرمني اشتهر بالصدق إلى درجة أن عملاؤه قرروا تسميته اسماً يدل على تمتعه بفضيلة قلما توجد فيهم، فلقبوه بالإنجليزي وصار من بعد ذلك لقباً لعائلته. والمعتاد أن تسمع التجار هنا يقولون عندما يطلبون ثمناً لا ينوون إنقاصه: كلمة واحدة. (كلمة الإنجليز). وكثيراً ما يقولون أيضاً في هذا المعنى: كلمة (الإفرنج). ولكني لم أسمع أبدا بأمة كرمت هذا التكريم غير الإنجليز والمغاربة. وقد اشتهر هؤلاء دون أغلب العرب الآخرين بالصدق في القول
أشرت سابقاً إلى عادة القسم بالله السائدة بين المصريين. وينبغي أن أضيف هنا أن الكثيرين منهم لا يترددون عن القسم ليدرءوا عن أنفسهم تهمة الكذب. وقد يقولون في هذه الحالة أحياناً. والله (بكسر الهاء) أو عادة: والله. كأنهم يزعمون أن الصيغة الأخيرة يجوز