الثالث والكتاب مسجوع. ونحن نعلم أن هذا العصر (عصر الجاحظ) لم يتكلف فيه سجع، ولم تؤلف فيه كتب مسجوعة. . .)
ولكن ما رأيهم في كتاب (الحاسد والمحسود) الذي كتبه الجاحظ نفسه، ونظرة فيه تقنعهم بأن نظريتهم خاطئة، أو على الأقل مبالغ فيها إلى حد بعيد. فكتاب الجاحظ في الحسد أغلبه سجع متكلف. وإني أورد هنا بعض فقرات منه لأثبت ما أقول:(الحسد أبقاك الله داء ينهك الجسد، ويفسد الأود، علاجه عسر، وصاحبه ضجر. . . قاطع كل رحم بين الأقرباء، وملقح الشر بين الخلطاء. . . والحسد هو الذي جعل (ابن آدم يلقى على أخيه الحجر شادخاً، فيصبح عليه نادماً صارخاً. . . وعبد الله بن أبي تبين للناس عقله، وافتقدوا منه جهله، ورأوه لذلك أهلا، لما أطاق حملا. . . والمحسود لولا عناية الله لأمسى وماله مسلوب، ودمه مصبوب، مهراق مسفوك، وعرضه بالضرب منهوك. . .
ثم ختم الرسالة بقوله: وما أرى السلامة إلا في قطع الحاسد، ولا السرور إلا في افتقاد وجهه، ولا الراحة إلا في مرم مداراته، ولا الربح إلا في ترك مصافاته، فإذا فعلت ذلك فكل هنيئاً، واشرب مريئاً، ونم رخياً، وعش في السرور ملياً. . .)
هذه فقرات من كتاب (الحاسد والمحسود) والمطلع عليه يجد السجع فيه غالباً، فهل ننكر نسبته إلى الجاحظ؟ أم هل نزحزح الجاحظ إلى القرن الرابع؟؟
٣ - في الحق أن أصحاب هذا المذهب غالوا وبالغوا في تعنتهم وغلوهم وما كان ذلك منهم إلا ليثبتوا نظرية نادوا بها من قبل، وهو أن السجع من الزخرف الفني الذي اكتسبته العربية من اتصالها بالفارسية واليونانية. والواقع أن السجع كما يقول الدكتور مبارك (من مميزات البلاغة الفطرية)، وقد اعترف المسيو مرسيه بذلك عندما قال:(وكأنهم بدءوا يكرهون السجع في العصر الأموي) أي إنه اعترف بأن كان هناك سجع ثم بدأ الناس يكرهونه، والسجع من الزخرف الفني الذي زعموا أن العربية لم تعرفه إلا بعد اتصالها بالفارسية واليونانية.