للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينكر الأستاذ الفاضل عبد المتعال الصعيدي ما ذكرته من أن: المسلمين على عهد الرسول كانوا يتلقون القرآن منه سماعاً ويطوون صدورهم عليه حفظاً وفهماً، دون ما حاجة منهم إلى النظر في شيء من آياته مخطوطاً. وهو ينعت هذا الكلام بالغرابة، وبأنه (لا يتفق مع المعروف عن المسلمين في ذلك العهد). ويلزمني الآن أن أنص على أن تلقي القرآن شيء، وحفظه كله أو بعضه أو عدم حفظه البتة، شيء آخر

فزعم الأستاذ أن جمهور المسلمين (لم يكن يأخذ نفسه بحفظ القرآن) - وحاشا أن يصح ذلك - لا يعتبر رداً على ما حاول نقضه من كلامي السابق. لأن موضوع الحديث هنا هو تلقي القرآن، أعني إجادة تلاوته على وجهه الصحيح، بطريق ما؛ كيف يكون هذا التلقي؟ وما مبلغ العلاقة فيه بين السماع شفاها والقرآن في مخطوط؟

لست أشك في أن الأستاذ يوافقني على أن الأساس في التلقي هو السماع من الرسول، ثم من صحابته الذين أجادوا النقل عنه. فذلك ما يقول به كل ملم بهذا الموضوع؛ ولكن الأستاذ يضيف من عنده إلى هذا قصة طريفة، فهو يتخيل - ويريدنا على أن نتخيل معه - أن المسلم من هؤلاء كان يمضي إلى بيته وفي يده أديم أو عظم فيه الآية والآيات، فيكب على قراءته في مشقة وصعوبة. وتلتبس عليه خلال ذلك حروف متشابهة، كالياء مع الباء (وعدها إياه، وعدها أباه) والثاء والتاء مع الباء والنون (فتثبتوا، فتبينوا). وينبهم عليه وجه الصواب في كل ذلك، فيرجع إلى الرسول يستفتيه، فيقول له: اقرأ بكلام الحرفين، فالباء أخت الياء، وغيرك قد استعصى عليه ذلك أيضاً. فذلك معنى الرجوع إلى الرسول وإقراره ما يراه للتخفيف عن المسلمين في مثل هذه الكلمات التي اشتهت حروفها، مما يشير إليه الأستاذ في كلمته الأولى (ع٤٨٨) من (الرسالة)

والأستاذ عبد المتعال يعتنق بهذا الكلام - دون أن يشعر - مذهب القائلين إن القرآن نزل بمعانيه دون ألفاظه وتراكيبه، وهو مذهب لم يحيى إلا على ألسنة بعض ذوي المقاصد السيئة من المستشرقين؛ وإلا فما معنى أن يذكر لنا ما يؤدي إلى الاعتقاد بأن الرسول كان ممن يبدلون كلمة بكلمة أخرى تباينها في معناه، لمجرد الاشتباه بين حرفين متقاربين في رسمهما العربي؛ وقد يكون هذا الاشتباه راجعاً إلى ضعف بصر القارئ، أو رداءة الخط، أو رثاثة الأديم مثلا؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>