شيء، وأن أكون في كل شيء. أنتشر كالطيوب، وأنمو كالنبات، وأجري كالماء، وأرن كالألحان، وأسطع كالنور وأوتى جميع الأشكال، وأنفذ في كل شيء وهيئة، وأغور في أعماق المادة، وأكون بعد هذا كله - المادة. . .)
ودت الشاعرة أن تكون المادة بذاتها، فدنت منها وامتزجت مع الأشياء وقالت (سيكون جميلا وحقا إيماني. . . بأن قلبي المتوقد هو كهذه الكمثرى التي ينضج جلدها رويداً تحت أشعة الشمس). وتمنت أن تكون أحد الكائنات في الغاب، فقالت والجشع غالب عليها:
(من أين جئت؟ إن الوجود لم يحل العقدة التي تجمعني بهذا المرأى.
أنا بنفسي، أفق، وجدول، وكوكب، وغابة).
على أن رغبتها قد تثور فتأبى أن تماثل جسدها الهالك بكل أشياء هذا الوجود، ويهيج نهمها الذي لا يشبع فتخاطب الزمن قائلة:
(وأنا مثل الزمن. أنا قبل مصر العتيقة. وقبل اليونان. كنت في عهد الماء)
على أن مثل هذا الهذيان الخيالي قد يدعو إلى الابتسام، وإذا كانت الشاعرة - في واديها الذي هامت فيه - لم تخلص نفسها من تأثير أترابها الشعراء فيها، ولم تجد لمسراتها التي تفننت بها ألحانا جديدة قوية، فأنها قد جارتهم وبزتهم في كثير من مقاطعها، وابتدعت لنفسها أفقا جديدا، وإذا أدرك الشعراء الطبيعة وفهموا معانيها ورأوا ألوانها، وتنشقوا أريجها، فهي قد تروحت هذا الأرج وأصغت إلى ألحان الطبيعة التمتامة، ولمست أشياءها وأكلتها وشربتها.
أليس هذا نهمها الشعري يبدو في ثنايا سطورها؟
وهكذا أجدني أستطيع أن أطرح بيدي للا نهاية فإذا كل شيء دان من فمي، لا يمتنع عنه شيء)
وإذا ما هبت النسائم العاطرة تروحت شذا خمور (آسيا)
(وهذه الريح المهيمنة. . .
المزودة بالسماء والفضاء، والمناظر الواسعة
هي شبيهة بهذه الخمور القادم شذاها من (آسيا)
وإذا ما جنحت الشمس للغروب وكان الأفق هادئا جميلا، خيل لها أن الطبيعة نفسها قد