فيالها من ساحرة نهمة لا تشبع، ويالها من غادة مجوسية - كما دعاها مارسيل بروست - هذه الغادة النهمة التي لا تقنع بإرسال طرفها في الكون، ولا بالإصغاء إلى أصواته، ولا بتروح شذاه، فهي تعمل على أن تلمس وأن تلتهم الوجود إلتهامة الشره. ولهذه الرغبة الملتهبة والصور القوية المكتنزة يعود سر استعمالها للألفاظ (اللحمية) في شعرها، ودي نواي الشاعرة هي التي كتبت (لأندريه جيد) عن الأطعمة الترابية - بكل ما في معنى الكلمة حتى أنزلت الطبيعة والحياة عندها منزلة (راحة الحلقوم)(إن الهواء الحار يحمل إلى أريكة تتهافت عليها روحي وفجاجة هذا المرج الأخضر هي في عيني مائدة فاخرة)
لكن إغراقها كثيرا في التشابيه والمجازات قد يضل القارئ عن أغراض المقطوعة وعن قصد الشاعرة.
قد تكون وجهتها في شعرها وجهة (جامس) في شعره، فأن (جامس) قد تغنى بجبال (البيرية) التي حنت على طفولته وشدا بجمالها الساحر بألحان صادقة سامية رائعة، و (دي نواي) قد تغنت بحدائق (فالوا) الفينانة، وبدت شرقيتها في كل ما نظمت هذه الشرقية المغمضة، فكانت تتروح عطور المشرق وتجد ألوان جزائر (الأرخبيل) وتذكر الأرض وقد حالت عند المغيب شعلة ملتهبة، هذه المناظر وهذه الأكوان قد آثرتها على كل شيء ووصفتها وحبتها بالألوان والشذا وبكل تلك الخاطرات السامية التي تموج في قلبها.
قال أحد نقادها بعد وفاتها (إن دي نواي قد أحبت التراب القدسي الذي يولد منه كل شيء، وإليه كل شيء يعود، هذا المعبد الذي تتعاقب عليه الفصول الأربعة تعاقبا متشابها. أحبت في الأرض تلك المرضع التي يفيض قلبها رأفة وحنانا، والتي تسمو عن الإنسان القاسي على الضعفاء)
وإذا تأمل قارئ (دي نواي) في شعرها يدرك أن هذا رأي خاطئ، لأن الشاعرة لم تقدس الأعمال ولا الأيام. لكنها كانت كإحدى كاهنات (أدونيس) أو (باخوس) تحمل في صدرها ملذات حساسة متيقظة. وهي لا تتخذ الطبيعة موضوعا لها، بل تتخذ موضوعها نفسها،