جربوا الصدق مرة واحدة، يا أدباء هذا الزمان، وحاولوا مرة واحدة أن يكون لكم وجود منزه عن التبعية، ولو كانت في اشرف الأوضاع، ليصح لكم القول بأنكم من دعاة الحرية والاستقلال
إن محنة الأدب في هذا العصر محنة عاتية، وهل توجد محنة أقسى من محنة العبودية؟ ولأي سبب؟ للقوت الذي لا يبخل الله به على ضعاف النمال!
إن الأديب المصري لم يخلق بعد، الأديب الذي يستوحي نجوم السماء لا نجوم الأرض، الأديب الذي لا يخاف الجوع، لأن له زاداً من الحب والنسيم، الأديب الذي لا يخشى التوحد، لأن التوحد هو انس الأسود
التصوف خلق أول مرة في مصر، في عهود سبقت عهود الفراعين. عنا اخذ الناس معاني الروحية، فهل يعاب علينا أن ندعو إلى الصوفية الأدبية؟
ولكن أين الأديب؟ أين لا أين، فقد طوقت المنافع الباب الأدباء في هذا الزمان؟!
أن وجد الأديب المصري المنشود فسيكون المرجع لأقطاب السياسة واعيان المال، لأن الأدب هو الميزان لفهم مطالب الحياة وحقائق الوجود
وهنا تظهر إحدى الدقائق الروحية: فالميزان لا يستفيد مما يزن، وإنما يستفيد الوزان، فيا أدباء مصر كونوا موازين لا وزانين
آه ثم آه!!
إن الذي يملك بعض المنافع في هذه البلاد يعتز ويستطيل، فكيف يجوز لحامل القلم أن ينسى نعمة الله عليه فيتمسح بهذا الركن أو ذاك؟
وما الذي يمنع من أن نجرب حظنا مع الله، وقد جربنا الحظوظ مع الخلائق؟
لقد عفا الله عن سفهاء الأدب فأورثهم الخلود، برغم ترديهم في هوة التزلف إلى الوزراء والأمراء والخلفاء
قال أبو نواس في مدح الأمين:
عقتُ بحبل من حبال محمد ... أمِنتُ به من طارق الحدثانِ
فغضب الله عليه وعلى اللامين وأوردهما موارد البلاء
واعتر البحتري بصحبة المتوكل فضاع الأول وهلك الثاني