للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تلك هي خلاصة العوامل التي عجلت في إعلان ثورة العرب الكبرى، ودفعت أميرهم (الحسين) إلى الصراع مع الترك وأنصارهم، والانضمام إلى البريطانيين وحلفائهم.

والباحث المدقق في هذه الثورة التي نشبت في الحجاز أولاً ثم امتدت إلى بلاد الشام وغيرها من أقطار العروبة يجد أنها تمتاز عن الثورات والحركات العربية القومية الأخرى، بكونها أول حركة استقلالية قام بها العرب مطالبين بالحرية والاستقلال، والانفصال عن الترك والإفلات من نير الدولة العثمانية الجائر لتأسيس ملك عربي مجيد، وتقلدوا السلاح لأجل ذلك. كما أنها كانت اعم ثوراتهم وأوسعها نطاقاً فقد اشترك فيها أبناء الحجاز، ومصر والشام والعراق واليمن ونجد والشمال الأفريقي فوقفوا جنباً إلى جنب يقاتلون الترك تحت راية العروبة الخفاقة، فأنقذوا الحجاز وحرروه من كل نفوذ أجنبي، ثم واصلوا السير نحو الشام فاستولوا على جنوب القطر الشامي ثم اخترقوه وبلغوا أقصى حدوده الشمالية، ولو ساعدتهم الظروف لواصلوا التقدم إلى العراق، ولاستولوا عليه أيضاً. على أن ما فاتهم في عام ١٩١٨ أدركوه في سنة ١٩٢٠ فقد انشئوا حينئذ حكومة عربية برئاسة أحد أبناء (الحسين) في تلك الربوع

فهذا الطابع الخاص الذي طبعت به ثورة (الحسين) جعل لها مقاماً ممتازاً في نفوس العرب على اختلاف أقطارهم، وتباعد ديارهم، وجعلهم يكبرون شانها، ويحتفلون بذكراها، يضاف إلى ذلك أنها أنقذت الكثيرين من رجال سوريا والعراق من موت محتم أو من شقاء دائم، فقد كانت الخطة التي سار عليها الاتحاديون الترك في ذلك العهد المظلم تقضي بنفي الأسر العربية الكبرى إلى أقاصي الأناضول لتتريكها وإفنائها، واحتلال الأرمن محلها فيصبح الناس في الشام بلا سراة، كما أنها اضطرت الترك لإطلاق سراح كثيرين من الذين كانوا معتقلين في غياهب السجون، وكانوا ينتظرون صدور الأمر بإعدامهم من آن لآخر شان إخوانهم الشهداء الذين سبقوهم.

وسيقدر العرب الأبرار - كلما طال بهم الزمن وامتد - ثورة أجدادهم هذه حق قدرها ويكبرونها ويجلونها ويدركون أنها من أنبل الثورات وأشرفها، وإن الدعايات التي بثها الترك والألمان ضدها في أبان الحرب الماضية لتشويه سمعتها، ما كانت سوى أضاليل اقتضتها مصلحتهم السياسية؛ ورغم النقائص التي اقترنت بها أسدت للعرب يداً كبرى،

<<  <  ج:
ص:  >  >>