في البلقان - ولذلك لم يجد الأمير العربي بداً حينما وقعت الواقعة، واصم الترك آذانهم، من إجابة ملتمسة بالعفو عن زعماء العرب وأحرارهم من إعلان الثورة الكبرى انتقاماً لهم من الترك، وطلباً للثار، ولإنقاذ بقايا السيوف من أبناء العروبة الأحرار، وقد كانوا مهددين بالفناء والموت المحتم.
وهنالك شبه إجماع بين الباحثين في القضية العربية على أن إسراع (الحسين) في إعلان ثورة العرب بعد الفتك بالرعيل الأول والثاني من الشهداء الأبرار، ونفي الأسر الكبيرة العربية إلى أقاصي الأناضول، حمل الترك على تغيير سياستهم وأساليبهم كما اضطرهم إلى استقدام جمال باشا وتنحيته عن العمل في بلاد الشام، فعاد إلى عاصمة الترك يجر أذيال الخيبة والانكسار بعدما فشلت مساعيه، وخابت أماله في إنشاء عرش له في دمشق يتبواه ويورثه لأبنائه من بعده وعلى الباغي تدور الدوائر
هذا من ناحية واحدة، أما من الناحية الأُخرى فقد كان الاعتقاد سائداً بين العقلاء أن النصر في ختام الحرب سيكون للإنكليز وحلفائهم، فتدور الدائرة على الألمان وأنصارهم ومنهم الترك فتنقرض الدولة العثمانية، ويموت الرجل المريض، ويستولي بالتالي - الحلفاء على أراضي تلك الإمبراطورية الواسعة، وبلاد العرب من جملتها، وهكذا يقع العرب في أيدي الدول الغربية الكبرى؛ ولذلك كان لابد للحسين بصفته زعيم العرب الأكبر يومئذ من الاتصال بخصوم الترك والألمان، وعقد المواثيق معهم لإنقاذ دنيا العرب من أيدي الظلم والاستعباد، وإنشاء الدولة العربية الكبرى الموحدة، فتحل في الشرق مكان الدولة العثمانية المنقرضة، وتجدد مجد العرب الخالد، تبعث عزهم الطريف التالد، وتحيي دولتهم العظيمة
٤ - العامل الديني
وأخيراً يجب إلا ننسى العامل الديني أيضاً، فقد كان الحسين، وهو صلب في دينه، شديد التمسك بأحكام الشريعة السمحاء، مغرقاً في المحافظة على التقاليد الإسلامية الحنيفة، يعتقد بكفر الاتحاديين الترك وخروجهم على الإسلام لإعمال بسطها بسطاً وافياً في المنشور الذي أذاعه على العالم الإسلامي يوم إعلان ثورة العرب، وقد تنتهي من هذه المقدمة السلبية إلى نتيجة إيجابية وهي فرض قتالهم على كل مسلم، والجهاد فيهم إنقاذاً للامة من شرورهم. وقد قام بهذا الواجب حين أعلن الثورة عليهم وقاتلهم قتالاً رهيباً. . .