للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في علوم اللغة لعصر من العصور الحديثة، كما يزعم الزاعمون من رجال العلم في الغرب، بل هي - على حد ما وصل إليه تحقيقنا - مسألة ترتقي عند أبناء العربية إلى أول عهدهم بالقران الكريم، حين اقبلوا على تفسيره ودراسته دراسة لغوية توطئة لفقه دقائق ما جاء به. بل ومن المحتمل غاية الاحتمال أن تكون هذه المسالة ابعد غوراً مما ذكرنا وذلك استناداً إلى ما وضح لنا من أن نشأة علوم اللغة قد سبقت العصر الإسلامي، وأن التفلسف فيها كان ملازما لنشأتها. وقد يصبح هذا الاحتمال يقيناً لا مريه فيه. حين تتجه الأبحاث العلمية إلى تحقيق تاريخ وضع دساتير اللغة، وتنتهي إلى ما تظمئن إليه في هذه الناحية

وسواء أصحت هذه الدعوى الثانية أم لم تصح، فليس هذا الذي قام به أفاضل المسلمين الأول من تفلسف في الأبحاث اللغوية بالأمر اليسير الشأن، ولا هو بالمستكثر عليهم. فالعرب، ويشاركهم في ذلك أبناء الصين، يفضلون في رأي جمهرة اللغويين الحديثين، بقية الشعوب بنزعتهم إلى التفقه في اللغة. وهذه النزعة هي التي حملتهم على النهوض بالدراسات اللغوية نهوضاً مبكراً، تجلى أثره في وفرة ما صنفه العرب من كتب ورسائل في علوم اللغة، كما تبين خبره في كثير مما تفرق لهم من أبحاث في مختلف مسائلها جاءت ضمن عدد آخر من موسوع مؤلفاتهم. وليس بغريب - وهذه حالهم - أن نجد في بعض مصنفاتهم الخاصة بعلوم اللغة، وكذلك تلك التي لها بعلوم اللغة صلة، نزعة فلسفية واضحة

ويمكننا القول، استناداً إلى ما وسعته المكتبة العربية من مصنفات وصلت ألينا، أن الفخر الرازي كان أول من تقصى آراء المتقدمين، وذهب إلى نقد فريق ممن تفلسفوا في هذه المسائل. وأن السيوطي كان أول من عنى من المتأخرين بإيضاح هذه الناحية، وعمل على بسط آراء من تقدموه بسطاً مجملاً. وأن جولد تسهير كان أول من اهتدى من المستشرقين إلى هذا. فلما أن وقف الغربيون على مجرى تفكير العرب هذا، أكبروا فيهم تفقههم المبكر في اللغة، ودهشوا لعناية العرب بهذا الضرب من التفكير الفلسفي، قبل أن يتقدم إليه أساتذتهم اليونانيون في الفلسفة

ولعل الذي حدا بالعرب إلى هذا النوع من التفكير الفلسفي ما أثير من قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها). فذهب جماعة من أهل السنة إلى أن لغة العرب توقيف ووحي. واتفق

<<  <  ج:
ص:  >  >>