أما الصورتان الأخريان فكلتاهما تمثل لنا وصول الصوت أو وصول الخاطر على الأصح بطريق الإيحاء من نفس عمر إلى نفوس سامعيه، ولكن التقاء نفسين أيسر قبولاً من التقاء نفس واحدة من جانب، وألوف النفوس من جانب آخر، ولهذا قلنا أن التقاء الشعورين بين عمر وسارية أسهل الصور الثلاث قبولاً، متى قلنا بوقوع الاستغاثة ووقوع الاستجابة
والأستاذ شاهين قد سأل في خطابه سؤالاً يشتمل على بعض الجواب الذي أجبناه حيث قال:
(إذا كان الأمر أمر رؤية بعيدة فهل تقف الرؤية عند الماديات أو تتعداها إلى الافكار؟ فقد يحدث أن يذكر الإنسان شخصاً ويذكر معه أمراً معيناً، ولا يلبث أن يلقى الشخص الذي ذكره فيبادره هذا بحديث عن ذلك الأمر المعين بنفسه، كما حدث لي مراراً، وهذا مما يغري بالميل إلى الفكرة القائلة بحركة الأجسام والإشارات الصدارة منها والتي يلتقطها جانب ثان)
فالتمثيل بمحطات الإرسال ومحطات الاستقبال هنا تمثيل مقبول لتقريب التصور وسهولة التشبيه، ولا مانع من اتصال النفوس على البعد وهي تتصل على القرب اتصالاً لاشك فيه، فإذا اتفق أن نفسين توجهتا كلتاهما إلى الأخرى - في وقت واحد فذلك أحرى بتوافق الشعور وتوافق الخاطر، والجزم بإمكان هذا اصح من الجزم بامتناعه إذا لم يكن بد من أحد الأمرين
يحدث كثيراً - كثيراً جداً - بين الصديقين المتفاهمين أن يطيلا الجلوس معاً صامتين، ثم يعودا إلى الحديث فجأة فإذا هما يطرقان موضوعاً واحداً أو يسألان عن شئ واحد. ولو كان هذا الموضوع على اتصال بما كانا يتكلمان فيه قبل ذلك لقلت الغرابة في اتفاقها عليه بعد صمت طويل، ولكنه يكون أحياناً بمعزل عن كل موضوع طرقاه ذلك اليوم
فما تعليل ذلك؟
تعليله تقارب الشعور والتفكير، وهما لا يتقاربان هنا بأداة مادية حتى يقال بالفرق بين حصوله في حجرة واحدة وحصوله على مسافة أميال
فإنكار هذا الاتصال أصعب من إثباته، والقول بإمكانه قول تعززه احتمالات قوية