تحب أن تراني. وسيقول قومٌ كلاماً كالذي قالوه يوم نشرت (الرسالة) مقالي في التفجع لسقوط باريس!
كانت فرنسا أمةً استعمارية فشمت بانهزامها من يؤذيهم بغيُ المستعمرين، وفاتهم أن فرنسا أعطت جميع الشعوب درساً سينتفعون به حامدين أو جاحدين
كانت فرنسا ترى أن اللغة هي عنوان الأمة، وكانت ترى أن الوطن الذي لا يسيطر بالفكر على خصومه ومنافسيه وطن ضعيف. ومن أجل هذا أنفقت فرنسا ما أنفقت من الأموال ليكون لها مدارس في جميع البلاد، وبفضل هذه العناية صارت اللغة الفرنسية لغة دولية، وصار من حق الفرنسي أن يعفي نفسه من العناء في تعلم اللغات، لأنه سيجد من يتفاهم معهم بلغته في أي بلد يتوجه إليه، ولو في الصين!
اقترحتُ في سنة ١٩٣٨ أن ننشئ مدرسة مصرية تنافس المدرسة الفرنسية في طهران، فلم أجد من يسمع كلامي. وأين من يعرف أن طهران جريدة إيرانية لغتها الفرنسية؟
فوجئت يوماً وأنا بدار المعلمين العالية في بغداد بمجموعات فخمة ضخمة من المؤلفات الفرنسية، وحين سألت عن مصدرها عرفت أنها هدية مرسلة من باريس
وقد استوحيت هذا الشاهد فاقترحت فيما بعد أن ترسل وزارة المعارف المصرية هدايا من الكتب المكدسة في المخازن إلى المدارس الأجنبية، فترددت الوزارة عامين، ثم تلطفت فأهدت مجموعات هزيلة، مع أن في مخازنها مجلدات مهجورة ستباع يوماً بلا ميزان، لأن حراستها وصيانتها تجشمان الوزارة ضروباً من التكاليف
كانت فرنسا تقول بمبادلة الأساتذة والتلاميذ، لتعطي وتأخذ، ولتفيد وتستفيد، وقد أقامت في إحدى ضواحي باريس مدينة تبني فيها أية أمة لأبنائها ما تشاء، ولقد استفادت أممٌ كثيرة من هذه المزية، إلا مصر، ولهذا تفضيلٌ قد يتأذى الشمسي باشا من تسجيله في هذا الحديث
ونحن اليوم في أوج صلاتنا مع الشرق، فعند الشرق مدرسون مصريون يعدون بالمئات، ومع هذا لم تفكر مصر في رد الجميل
ما الذي يمنع من أن تستقدم مصر بعض الأساتذة من الشرق ليدرسوا في معاهدها العالية بأساليبهم الخواص: فهذا في كلية الآداب، وذاك في دار العلوم، وذلك في كلية اللغة العربية، إلى آخر ما يصلح له علماء الشرق؟