ليس معنى هذا أن مصر في احتياج إلى مدرسين، وكيف وفي خريجي المعاهد العالية شبان أكفاء لا يجدون ما أعدوا له من المناصب التعليمية؟
إن لهذه المسألة وضعاً غير هذا الوضع، والمراد هو أن تفكير مصر في إتاحة الفرصة لبعض أساتذة الشرق، الفرصة التي تمكنهم من الوقوف على التيارات العلمية والأدبية في الديار المصرية؛ فمصر اليوم في ازدهار علمي وأدبي لم تشهد مثله من قبل، وهو ازدهار يوحي إلى الأساتذة أكثر مما يوحي إلى الطلاب، وقد يكون في وجود أولئك الأساتذة فرص لمنافسات علمية وأدبية تعود علينا بأجزل النفع، وقد يكون في وجودهم خير للطلبة الذين حضروا إلينا من بلادهم، فأنا ألاحظ أن أكثر الطلبة الشرقيين لا يجدون من يعاونهم على الاستفادة الصحيحة من الإقامة بهذه البلاد
خطر في بالي مرة أن أقترح على مشيخة الأزهر الشريف أن تنشئ كرسياً للفقه الجعفري، وكان هذا الخاطر لأني لاحظت أن النضال بين المذاهب الفقهية قد انعدم في مصر أو كاد، مع أن لمصر في التشريع الإسلامي تاريخاً من أمجد التواريخ
إن مناصب (شيوخ المذاهب) صارت مناصب شكلية بسبب السلام الذي ساد بين المذاهب، وهل نسمع اليوم خبراً عن شيخ الشافعية أو شيخ المالكية؟
إن النضال بين المذاهب أدى للتفكير الإسلامي خدمات تفوق الإحصاء، وله فضلٌ عظيم في مرونة اللغة العربية، وأكاد أجزم بأن الفقهاء خدموا اللغة أكثر مما خدمها الشعراء
لو استقدمنا عالما شرقياً لتدريس الفقه الجعفري بالأزهر لأثرنا النضال بين المذاهب من جديد، وأعطينا مصر فرصة عظيمة ليقظة فكرية نادرة المثال
إن مصر في عهدها الحاضر تنشئ تاريخاً جديداً في الشرق، وهي في طريق الوصول إلى عقد معاهدات ثقافية مع أكثر أمم الشرق، وهذا يوجب عليها أن تعرف الشرق أكثر مما تعرف، فيكون لها فيه سفراء روحيون، ويكون عندها منه سفراء روحيون
لو دعونا جماعة من أساتذة الشرق ليحدثونا عما في بلادهم من تقاليد وآراء وآداب لحمدوا لنا هذا الصنيع، وعدوه تلطفاً يستحق الثناء
ويظهر أنه لا بد من إنشاء قلم بوزارة الخارجية لمراجعة ما يكتب عن مصر في جرائد الشرق، وتكون مهمته المبادرة إلى تصحيح ما يستوجب التصحيح، وتكون مهمته أيضاً أن