للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كنت أجلس في بعض الضحوات (بذلك الإيكسوار)، وهو حديقة الحي في الإصلاح الفرنسي، كنت أجلس تحت شجرة يؤنسها أن ترى رجلاً بيده كتاب، وكان أصدقائي من بعثة الجامعة المصرية يعرفون كيف يلقونني هناك. وفي ذات يوم حضر الأستاذ محمود الخضيري فوجدني أجادل رجلاً يحاول تشذيب تلك الشجرة بعنف، فأنكر عليّ ما أصنع، فقلت إن الشجرة تصرخ، ومن واجب من استظل بظلها أن يدفع عنها العدوان. فقال: وهل يحس الشجر والنبات؟ فقلت: نعم، ويتألم الشجر والنبات كما يتألم الحيوان!

وبعد شهور حدثتنا جرائد باريس أن جلالة الملك فؤاد قد استقدم عالماً هندياً اسمه (بوز) ليلقي في الجمعية الجغرافية محاضرات عن نظريته في إحساس النبات!

إحساسي بالوجود هو سبب عنائي، ولو عرف الناس هذا العناء لقاتلوني عليه، فهو أطيب الأطايب في ثمرات الحياة

لم أدخل بلداً إلا أحببته أصدق الحب، لأني أرى بضميري وجه الله في كل مكان. وما صادقت إنساناً وغدرت به أبداً، لأني أرى الصداقة من أظهر الدلائل على صحة القول بوحدة الوجود

وأنا أترحم وأتحسر وأنفجع كلما رأيت إنساناً يكذب أو ينافق في سبيل العيش، فالموت الذي يخافه الناس لن يصل يوماً عن طريق الجوع. ولو نظر الناس في أسباب أمراضهم لوجودها ترجع إلى الإفراط في الطعام والشراب ولو كانوا من الفقراء

ثم ماذا؟ ثم يبقى جواب الخطاب الوارد من (الأرمان) فماذا يريد ذلك الخطاب؟

هو يريد أن تكون مقالاتي كلها على غرار (دار الهوى في عيد القمر)، فأين أنا مما يريد؟ وأين الأعصاب التي تستطيع تدبيج تلك الأحاسيس في كل أسبوع؟

أمام عيني وبين يدي أرواحٌ موقوذة هي المقالات التي سطرتها بدمي، ولا أستطيع نشرها بأي حال، لأنها تخالف المألوف من تقاليد هذا الزمان

ثم يحاسبني ذلك الخطاب على هفوات قلمي، كأنه يجهل أني أمتشق القلم في كل مساء، وأني أراود أبكار المعاني في يقظتي ومنامي

أما بعد فهذه ليلة الميلاد، وقد قضيتها وحيداً فريداً لأتقي الله في نفسي فلا أعرضها لشواجر الأرواح وعواطف القلوب

<<  <  ج:
ص:  >  >>