للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أجيء الآن إلى تعليل قول الدكتور مبارك إن شوقي تغنى بالمسيح إيفاء لمتأخرات دين عليه للسوريين؛ وهو تعليل واهٍ، لأن أعظم إشادة لشوقي بالسيد المسيح احتوتها قصيدة الهمزية التي نظمها في أواخر القرن الماضي وألقاها في مؤتمر جنيف سنة ١٨٩٤ أي منذ نحو نصف قرن وفيها:

ولد الرفق يوم مولد عبسى ... والمروءات والهدى والحياءُ

وازدهي الكون بالوليد وضاءت ... بسناه من الثرى الأرجاءُ

وسرت آية المسيح كما يسري ... من البحر في الوجود الضياءُ

تملأ الأرض والعوالم نوراً ... فالثرى مائج بها وضاءُ

لا وعيد، لا صولة، لا انتقام، ... لا حسام، لا غزوة، لا دماءُ

لم يكن شوقي حينئذ قد اشتهر ولا عرف الشام أو عرفه أهله وسمع به أدباؤه وشعراؤه. وكانت بضاعته قليلة على سمو نوعها، ورأس ماله، صغيراً، ولا دين له أو عليه يوفي به دائنته.

فليس تعليل الدكتور بحاو شيئاً من حسن التعليل. وكنت قد عللت مدائحه للمسيح بقراءته للتوراة والإنجيل قراءة دارس لها شأن كل أديب شاعر بلغ من الأدب شأواً رفيعاً ولا سيما أن الأدباء الغربيين متفقون على القول أن سفر النبي أشعياء في التوراة قطعة راقية من النثر الشعري بالعبرية، فرأى شوقي من الغضاضة عليه كشاعر فحل ألا يلم بذلك السفر ويعرف ما يحويه كأدباء الغرب وكما يناسب مقامه كشاعر شوقي من الطراز المعلم

والظاهر أنه قرأ سفر أشعياء، وما ورد في قصيدته الأندلسية الميمية مقتبس منه. فقد جاء فيها قوله:

عيسى سبيلك رحمة ومحبة ... في العالمين وعصمة وسلام

ما كنت سفاك الدماء ولا امرأ ... هان الضِّعاف عليه والأيتام

يا حامل الآلام عن هذه الورى ... كثرت عليه باسمك الآلام

فهذا البيت الأخير مقتبس من قول أشعياء في نبوته عن المسيح: (لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها. . . وعبدي البار يبر كثيرين وآثامهم هو يحملها. . . ولقد حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين)

<<  <  ج:
ص:  >  >>