للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والهمجية من قتل وتدمير وتخريب، بل نستطيع أن نذهب إلى أبعد من هذا فنقول إن هذه المدنية نفسها اخترعت وسائل أخرى تتقي بها شر الوسائل الفتاكة، وهذبت من طباع البشر فجعلت الدول تراعي في الحرب بعض القواعد الإنسانية والمبادئ السمحة الكريمة التي لم تكن تتبع في عهد المدنيات السابقة. وبعد هذا نستطيع أن نقول إن الحرب لازمة لرقي المجتمع الإنساني، فهي موافقة للطبيعة البشرية ولهذا القانون الخالد: البقاء للأصلح؛ فالسمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة، والفرد القوي يستغل الفرد الضعيف. وكذلك الحال بين الأمم، فالصراع بين الأمم القوية والأمم الضعيفة قديم قدم الإنسان. الصراع قديم بين القوة والضعف، فالقوي يسود الضعيف، وخليق بالأمم القوية أن تتزعم الأمم الضعيفة، وللأمم الضعيفة بعد ذلك أن تعمل، إذا أرادت أن تعيش، على تنظيم أمرها وتحسين حالها. فالحرب تحفز الأمم الضعيفة التي تخاف على نفسها فتدفعها إلى أن تتقوى وتشتد فتستيقظ من نومها وإلا طال عليها الرقاد، وخيم عليها حكم الاستعباد. فالنزاع إذن سيظل ما دام في الإنسان الضعيف والقوي. سيظل دائماً بين عامل الخير وعامل الشر. وما الحرب إلا عامل من عوامل الشر ولكنها عامل مطهر كالنار، فهي تقضي على العناصر الفاسدة. وما الحرب إلا محنة من المحن لا بد منها في أطوار التاريخ، لأن الشعوب تخرج منها نقية طاهرة كأقوى ما تكون. والشعوب التي لا تحارب، تخلد إلى الراحة وتقبل على الترف وترتوي من المتعة واللذة، فيدركها الضعف والوهن، وهي بعد ذلك تفقد أسس النضال وعوامل الكفاح، ويكون مصيرها آخر الأمر إلى الفناء. فالحرب وإن كانت عاملاً من عوامل التدمير، تعمل على إذاعة الأخلاق المتينة بين الأفراد وإشاعة الصفات القوية بين الأمم، فهي تمجد البطولة والشجاعة والصبر والاعتماد على النفس، فهي مفيدة إذن للإنسان والإنسانية.

ونحن نرى من تطور التاريخ في مختلف عصوره أن الحرب يعقبها طور رقي وتقدم، فالإنسانية سائرة أبداً في طريقها نحو التقدم. من أجل هذا يجدر بنا أن ننظر إلى المستقبل نظرة آمنة مطمئنة معتقدين أن النصر سيكون دائماً في جانب الخير.

يجب علينا أن ننظر إلى المستقبل لا إلى الماضي، وأن نطمئن إلى أن هذه المدنية ستتطور لا شك إلى مدنية أرقى. أما النظر إلى الماضي والتمسك به فهذا شأن الطاعنين في السن

<<  <  ج:
ص:  >  >>