عزام في قصر الزعفران يوم مضيت للتسليم على حضرة صاحب السمو الأمير عبد الإله، فسألته عن سبب ذلك التخلف، فأفهمني أن إنجلترا اعترضت على مرور الجيش التركي بالأرض المصرية بحجة أن مصر على الحياد، فلم تستطع تركيا إنجاد طرابلس بغير القواد من أمثال أنور وفتحي ومصطفى كمال
كانت تلك الحرب مثاراً لحركة فكرية وأدبية، ففيها أختصم المصريون حول الموجب لمعاونة الأمم الأسلامية، وكان ذلك الاختصام بمناسبة مقالة نشرها لطفي باشا السيد عن الأموال التي تجمع لمواساة الجرحى من المجاهدين المسلمين. فقد أعلن أن الأفضل أن تجمع تلك الأموال بأسم الإنسانية لا بأسم الدين، فثار الجدل هنا وهناك، لأن مثل هذا الرأي في ذلك الوقت كان يثير الجدال
وفي غمرة الكروب التي أثارتها تلك الحرب أعلن الشام أنه يريد الاستقلال، بتوجيهات خفية من خصوم الأتراك، فثارت الجرائد المصرية وعدت ذلك تأييداً لعدوان الطليان
شبكة بيروت
ولم تنتظر إيطاليا حتى تنجح الدسائس الخفية في تحريض البلاد الشامية على الدول التركية، فأرسلت أسطولها لضرب ميناء بيروت بمدافع الأسطول الثقال، انتقاماً من الأتراك، والأحمق يؤذي نفسه من حيث لا يريد
كان من السهل في تلك الأيام أن يميل نصارى لبنان إلى تأييد الطليان - فقد كانت بينهم الأتراك عداوات - ولكن ضرب بيروت بمدافع الأسطول الإيطالي أغضبت نصارى لبنان وملأت قلوبهم بالغيظ فثلبوها بما يملكون من أسلحة الهجاء في الجرائد والمجلات
وفي تلك النكبة ثار الشعراء المصريون على الطليان، ثاروا انتصاراً للأتراك وانتصاراً لأهل لبنان
وفي نكبة بيروت نظم شوقي قصيدةُ الرائع:
يا ربّ أمرُك في الممالك نافِذٌ ... والحكم حكمك في الدم المسفوك
إن شئت أهرقه وإن شئت أحمه ... هو لم يكن لسواك بالمملوك
واحكم بعد لك إن عدلك لم يكن ... بالممترَي فيه ولا المشكوك