بيروتُ مات الأُسد حتف أنوفهم ... لم يشهروا سيفاً ولم يحموك
كلٌ يصيد الليث وهو مقيدٌ ... ويعزُّ صيدُ الضَّيغم المفكوك
يا مَضربَ الِخَيم المنيفة للقِرى ... ما أنصت العُجمُ الآلي ضربوك
ما كنتِ يوماً للقنابل موضعاً ... ولو أنها من عسجدٍ مسبوك
بيروتُ يا راحَ النزيل وأُنسهُ ... يمضي الزمان عليَّ لا أسلوك
الحسنُ لفظٌ في المدائن كلها ... ووجدته لفظاً ومعنًى فيك
وفي نكبة بيروت نظم حافظ (رواية تمثيلية) جديرة بالإعجاب، وفيها أدار الحوار بين جريح من أهل بيروت وزوجة له اسمها (ليلى) وطبيب ورجل بدوي
وترجع أهمية هذه المنظومة إلى ما اشتملت عليه من الصدق في تصوير العاطفة الإنسانية، العاطفة التي تجمع بين قسوة الرجولة ورقة الوجدان؛ فالجريح فتى لبناني عجز عن مقاومة النار بالنار، فما كان لبلده أسطول يقاوم به أسطول الطليان، ولا أتيحت له فرصة يلتقي فيها سيفاً لسيف مع أحد جنود الأعداء، وإنما رمى وهو عاجز عن أن يرمي، فهو وقيذ الاغتيال. وفي تلك المحنة يتذكر مهد غرامه وهو بيروت، بيروت التي جمعت بينه وبين ليلاه في فجر الشباب
ولنترك حافظاً يصور آلام هذا الجريح بشعره الرقيق:
ليلايَ ما أنا حيٌّ ... يُرجَى ولا أنا مَيْتُ
لم أَقضِ حقَّ بلادي ... وها أنا قد قضيت
شفيت نفسي لو أني ... لما رُميت رَميت
بيروت لو أن خصماً ... مَشى إليَّ مشيت
أو داسَ أرضَك باغٍ ... لدُستُه وبغيتُ
أو حلّ فيك عدوٌّ ... منازلٌ ما اتقيتُ
لكنْ رماك جبان ... لو بان لي لا شتفيتُ
ليلاي لا تحسبيني ... عليَّ الحياة بكيتُ
ولا تظني شكاتي ... من مصرعي إن شكوتُ
ولا يُخيفنْك ذِكرى ... بيروتَ أني سلوتُ