درس أيوب التاريخ بمصر فكان الأول بين أقرانه؛ وأرسل أيوب في بعثة إلى باريس ثماني سنوات حيث أخذ العلم عن جلوتز وجنبير وسينوبوس وأمثالهم ممن تتطأطأ لهم الهامات في العالم أجمع. ولم يكتف بتحصيل المعرفة من بطون الكتب وأفواه الأساتذة بل ذهب عاماً كاملاً إلى بلاد اليونان يقلب آثار الماضي المجيد ويستنطق الحجارة. وعاد أيوب إلى مصر بعد أن طوف بدلف وديلوس وفيليب وأولمبي وقد انصهرت المعرفة بنفسه فإذا بالتاريخ القديم عنده كذكريات حياته الخاصة يحدثك عنه في طلاقة وحرارة وقوة فيكسبك.
عجيب أن يموت أيوب! عجيب أن يجف هذا النبع قبل أن يتدفق! لقد حاضر أيوب بالجامعة ثلاث سنوات فقط. لكن سل زملاءه، سل تلاميذه وهم موضع أمله، سلهم يخبروك عن هذا العالم الثبت الذكي الفؤاد الفصيح اللسان. لقد أخصب أيوب نفوساً سيتذكره بالرحمة.
لم يتوان أيوب عن أداء رسالته. ولقد عقد العزم ونحن معه على أن نؤديها، تنكر الناس أو رضوا، ظلموا أو أنصفوا. ولقد أحس بالظلم تكوينا ناره فصمد له وشمر عن ساعده فترجم جزءاً هاماً من (تاريخ مصر) لهانوتو، ذلك الكتاب الضخم الذي وضعته جماعة من علماء فرنسا بتكليف من ملكنا العظيم فؤاد الأول رحمه، ورأت وزارة المعارف أن تنقله إلى لغتنا، فأدرك بعض رجالها أن أيوباً في طليعة من ينهضون بهذا العمل الجليل الشاق
وقالوا إن المرء لا يثبت علمه إلا إذا كان (دكتوراً)، وكان أيوب يعد رسالة أصيلة باللغة الفرنسية عن تاريخ طيبة اليونانية. وقسموا على أيوب فلم يرد أن ينتظر حتى تسكن الحرب، فيقدم رسالته إلى السوريون بل قدمها إلى جامعة فؤاد الأول، فإذا به يمنح أعلى درجة تعرفها جامعتنا. وهذا ليس موضع فخارنا بأيوب، وإنما نفخر بأنه استطاع أن يتمتع بصداقة أستاذنا جميعاً البروفسير جوجيه أستاذ التاريخ القديم بجامعات فرنسا سابقاً ومدير المعهد الفرنسي بالقاهرة في السنين الأخيرة، والذي كان من حظ جامعة فؤاد الأول أن تنتدبه للتدريس بها. لقد كان البروفسير جوجيه ولا يزال يعز أيوباً بل يحبه حب تقدير لعلمه وإخلاصه وتفتح نفسه، وكان يخصه دائماً بالثناء. وكانت محبة البروفسير لتلميذه