آل عمران:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باله؛ ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون)
ومما يتفق مع هذا كل الاتفاق ما جاء في القرآن الكريم عن البداوة العربية وأهلها، وما جاء فيه عن الحضارات القديمة وآثارها، فهو إذا ذكر الأعراب - وهم سكان البادية - يكون شديداً عليهم، ويجعل بداوتهم هي السبب في جهلهم وانحرافهم. وقد وصفهم الله بقلة الإيمان في الآية ١٤ من سورة الحجرات: قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم، وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً، إن الله غفور رحيم). وإنما سميت هذه السورة بذلك الاسم لأنها نزلت في نفر من الأعراب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائل في أهله، فجعلوا ينادون من وراء الحجرات: يا محمد أخرج إلينا حتى أيقظوه من نومه، فأنزل الله فيهم من هذه السورة:(إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون، ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم) وقد قيل إن هؤلاء الأعراب كانوا من بني تميم، وكان فيهم الأقرع بن حابس، وعُيَيْنة بن حصن، والزبرقان بن بدر، فنادوا على باب الحجرات قالوا: يا محمد، اخرج إلينا، فإن مدحنا زين، وذمنا شين. فخرج رسول الله صلى الله عليه وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين، وذمه شين. فقالوا: نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا، جئنا نشاعرك ونفاخرك. فقال رسول الله صلى الله عليه: ما بالشعر بعثت، ولا بالفخر أمرت، ولكن هاتوا. فقام منهم شاب فذكر فضله وفضل قومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس، وكان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قم فأجبه. فقام فأجابه.
ثم قام الزبرقان بن بدر فقال:
نحن الكرام فلا حي يعادلنا ... منا الملوك وفينا تنصب البِيِع
وكم قسرنا من الأحياء كلهم ... عند النهاب وفضل العز يتََّبع
ونحن نطعم عند القحطُ مطعمنا ... من الشواءِ إذا لم يؤنس القزَع
فننحر الكوم عبطاً في أرومتنا ... للنازلين إذا ما أُنزلوا شبعوا
فلا ترانا إلى حيٍّ نفاخرهم ... إلا استقادوا فكانوا الرأس يٌقتطع
فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه ... فيرجع القوم والأخبار تُستمع