فانٍ. ففي كل قطرة من الماء قوة كامنة خالقة لا تحد.
وحكم التراب كالعدم فهو نهاية. عجباً لهذا التراب
إنه من أسباب الفناء، وإنه لمن أسباب الحياة!
ومصير المخلوقات إليه. وكأنما الأمواج حينما تتبخر
تهرب من الفناء. وهذا الإنسان اليائس الذي
يلقي بنفسه في اليم، يشتاق إلى حياة أبدية
في عبابه، ليعيش بعيداً عن التراب.
لاشك أن الشمس قد ذابت اليوم في أفق
مصر. هاهي أشعتها مادة سائلة، تنحدر من
السماء كأنها حمم تذيب الأرض معها. بحثت
كسائر الناس عن خميلة أتفيأ ظلها، فذهبت
إلى شاطئ النيل، وإذا بالنيل قد فاض وغمر.
فأين مني الآن قوافل الجمال ذات اللون الأغبر
التي ترسم على الشاطئ صورة الخمائل؟ أين تلك
الأشرعة التي ترفرف بين الأشجار كأجنحة
فراشة فضية؟ وأين هاتيك الكواعب الريفيات
اللائى يحملن على رءوسهن جرات ذات قوام له
دلال العرائس يباهي دلال من يحملنها، وقد
عكست ظلالها على سطح النيل. . . يا للعجب
إن هذا الماء كلما تدفق أسرع جريانه. أين
هذا النيل الذي رصع جِيد (أم الدنيا) بعقد
من الياقوت بمجراه الذي تسري في أمواجه
ثمار النخيل الحمراء؟ أين تلك المياه التي تفيض
بالأسرار كمقلة خضراء تزخر أعماقها بألوان
مباينة؟ أين هذا النيل الذي يتجلى في لونه