للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الزمر ذي إشراق الفجر. هذا النيل الذي تمس

أعماقُهُ الأهرامَ والسماءَ والكواكبَ. هيهات!

ليس أمامي الساعة غير نهر من اللهيب. بحثت

عن ضفافه فألفيتها قد سالت معه، وبدا لي

أن هذا الفيضان يندفع كالكارثة. لم يكن

هناك في هذا المحيط اللجي موطئ لقدم، كأن

الطوفان قد ابتلع الغبراء. هاهو النيل يجري

كنهر من الطين انطلق إلى الشمس، كأن

من أجراه يريد أن يبني أجراماً في السماء،

وهو يجيش بأمواج فوارة تكاد الشمس وهي

في مغربها تغرق في تيارها. كأن هناك عاصفة

هوجاء تكتسح هذه الأمواج، فلا يسمع

إلا زمجرة صاخبة. ربما كان في هذا الطين

أسرار، فهو لا يخرِّب بل يعمِّر. أما حقول

بلادي الظامئة فإنها تتلهف إلى قطرات تتساقط

من سماء الحظ، كأنما النيل سحر قد انساب

ماء، فهو يجعل الرمال أخصب من أي تراب

آخر. هو يتدفق إلى الحقول وإلى القرى وإلى

المساكن، فالنيل هو مصر، ومصر هي النيل.

ما أعجب هذا السيل إنه قوام الحياة. ما أعجب

هذا السيل فهو أينما جرى وأينما طغي انبثق

النبات واستحال القفار عماراً. قد منح أهلَ

بلاده قدرة فوق طاقتهم. هل السحر جاء إلى

مصر مع النيل، فهو كبحر مطلسم غمر أرضاً

وجرى نحو محيط في أغوار الأساطير، وكأنما

<<  <  ج:
ص:  >  >>