هجريات حافظ
ولكن ما طريقة حافظ في تلك الهجريات؟
لا تظنوها قصائد دينية يبين فيها الحكمة من هجرة الرسول - وإن ألمع إلى شيء من ذلك - وإنما هي قصائد يسجل بها حوادث العام الماضي ويسطر فيها ما يرجو في العام الجديد، ومن أجل هذا يستبيح الهجوم على هلال العام السابق إن أخلف الرجاء، كأن يقول في هلال سنة ١٣٢٧
هللت حين لمحت نور جبينه ... ورجوت فيه الخير حين تألقنا
وهززته بقصيدة لو أنها ... تُليت على الصخر الأصم لأغدقا
فنأى بجانبه وخص بنحسه ... مصراً وأسرف في النحوس وأغرقا
لو كنت أعلم ما يخبِّئه لنا ... لسألت ربي ضارعاً أن يمُحقا
وبهذا تجرد هلال المحرم عند حافظ من حليته الدينية، واحتفظ بصبغته الزمانية، فهو بدء مرحلة جديدة من مراحل التاريخ يسعد بها قوم ويشقى بها أقوام
وهجريات حافظ تمثل اتجاهات الرأي العام المصري في الوقت التي قيلت فيه، وتدلنا على أن المصريين كانوا يسايرون الحوادث في الأقطار العربية والإسلامية، فهم يعرفون أشياء من أحوال الترك، وأشياء من أحوال الفرس، وأشياء من أحوال الأفغان، وعندهم أخبار عن الجزائر ومراكش وجاوة والهند، ويتأثرون بما يقع في تلك الأقطار من حوادث وخطوب. ومراجعة الرائية والقافية تؤيد ما نقول. ولنقرأ معاً هذه الأبيات في الموازنة بين حال الترك وحال الفرس عام ١٩٠٨
سلو الترك عما أدركوا فيه من منىً ... وما بدَّلوا في المشرقيْن وغيَّروا
وإن لم يقم إلا نيازي وأنورٌ ... فقد ملأ الدنيا نيازي وأنور
تواصوا بصبر ثم سلوا من الحجا ... سيوفاً وجدُّوا جدهم وتدبروا
سلو الفرس عن ماضي أياديه عندهم ... فقد كان فيه الفرس عمياً فأبصروا
جلاَ لهم وجهَ الحياة فشاقهم ... فباتوا على أبوابها وتجمهروا
ينادون أن منِّى علينا بنظرةٍ ... وأحيي قلوباً أوشكت تتفطر
والشاعر يطيل القول في فوز الترك بالدستور، وحرمان الفرس من الدستور. فإذا حال