للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في ذاته، في السعي إلى الوصول إلى الحقيقة

ولننظر إلى أهمية التاريخ في تربية الدارسين وتثقيف عقولهم. ما قيمة التاريخ في ذلك النوع من التربية الذي يرمى إلى إعداد الأفراد للقيام بحرفة بنجاح وكفاية؟ رمى التعليم في القديم إلى غرض مهني، فكان مرمى من توافروا على معرفة التاريخ كسب العيش. فمنذ أزمنة سحيقة من عهد هوميروس، وجد قوم انهمكوا في دراسة القصص القومي وما يحويه من سير الأبطال، وساروا به خلال الديار اليونانية ينشدونه أمام الناس ويتقبلون ما يمنحونهم من هبات. وفي التاريخ الإسلامي كانت طائفة من الناس تعمل على حفظ أخبار العرب وأيامها وآدابها للتقرب من الخلفاء ونيل عطاياهم. ولم تكن طريقة الدراسة تعتمد على الأخذ من أفواه الرواة فحسب، بل كثيراً ما كانت تلجأ هذه الطائفة إلى الرحلة إلى الأقاليم التي يراد دراستها والوقوف على عجائبها وطبقات أهلها. ومثل هذه الطائفة كان يطوف في أوربا في العصور الوسطى

عرف المسلمون للتاريخ فوائد أخلاقية (دنيوية وأخروية) فكان عند الدول الإسلامية مادة حرفية تعد لمهنة الكتابة والإنشاء. وفي أوربا في العصور الحديثة كان التاريخ يدرس لأولاد النبلاء والأمراء كوسيلة من وسائل تدريبهم على ممارسة أمور الحكم. وهو الآن يدرس في بعض المعاهد العليا والجامعات لإعداد مُدرسي التاريخ والخُبراء السياسيين. أما في المدارس الثانوية والابتدائية فتتغلب الفكرة الثقافية التي ترمي إلى تكوين الدارس عقلاً وروحاً وإعداده لتذوق الفن والجمال

مركز التاريخ مهم بين العلوم الثقافية، فالاهتمام به إنما هو اهتمام بتركة الإنسان وآثار لجهد الإنساني. قد يشك بعض الناس في قيمة تثقيف الطلبة بمعلومات عن أشخاص أو حضارات أصبحت الآن طي الفناء كما يحاولون. هؤلاء الأشخاص وهذه الحضارات لم تعف آثارها فما زالت مقيمة بيننا مؤثرة فينا ملهمة لنا؛ وما قيمة المعلومات الأخرى للإنسان إذا لم يعرف نفسه وماضي حياته وتفكيره في أطواره المختلفة؟ فدراسة الإنسان ينبغي أن يكون محور كل دراسة ومركز كل بحث

أما مركز التاريخ في التربية الخلقية الاجتماعية فلا يقل أهمية. يرمي ذلك النوع من التربية إلى تكوين الأخلاق الشخصية. ولقد ولد الإنسان في مجتمع يعد أفراده للحياة فيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>