وفق عاداته ونظمه ومثله العليا. ولا ريب في أن التاريخ يكاد يكون من ألزم العلوم لهذا النوع من التربية، لأن التاريخ يدرس ماضي الإنسانية وتراثها الاجتماعي
وهناك اعتراضات قد تثور في ذهن بعض المفكرين؛ فيرى فريق أن التاريخ لا يعرض أمامنا أمثلة حسنة للسلوك المرضي فحسب، بل كثيراً ما يضرب أمثلة للقسوة والغدر والأنانية. ولو أن المؤرخ أو المعلم أراد استبعاد ذلك الجانب من التاريخ لجعل من شخصياته أبطالاً خياليين لا يدأبون وراء شيء غير الفضيلة، وهذا في ذاته مخالف للأمانة العلمية. ويقول فريق آخر (لقد أصبحنا لا نرجع للتاريخ لنجد دروساً في الأخلاق أو مثلاً عليا للسلوك أو مواقف باهرة. نحن نفهم أن القصة الخيالية لتحقيق ذلك المتفقة مع آرائنا في العدالة). ويرى فريق ثالث أن ليس ثمة فائدة أخلاقية نافعة من دراسة التاريخ، فهل دراستنا لتاريخ روما التي هوى بها الانهماك في اللذات والترف منذرة لعصرنا الحاضر بالاضمحلال؟ ويؤيد ذلك الفريق فكرته بأنه لم توجد فترتان متشابهتين من كل الوجوه في حياة الأفراد، فكيف في حياة الشعوب. وفريق رابع يندد بأن الماضي قد سيطر على عقولنا وتفكيرنا، فنحن نفكر بتفكير الماضي، ونحن منغمسون دائماً في الماضي، مع أن ظروف الحياة قد تغيرت وتبدلت، ولابد من زيادة الاهتمام بالحاضر والنظر إلى المستقبل
ويرد على هذه الآراء بالقول إن التاريخ مفسر للحياة الإنسانية الماضية، فهو موضح لناحيتي الخير والشر. والتربية الاجتماعية لا ترمى إلا لأعداد الفرد للحياة بما فيها من مفارقات. وهي تعمل دائماً على إيجاد التوازن بين الغرائز الاجتماعية للإنسان وغريزة حب الذات. لا ننكر أننا نرمي بمثلنا التاريخية إلى رفع مستوى الحياة وتطهيرها من أدرانها، ولكنا نعمل في نفس الوقت على إعداد شخصية حقيقية لا خيالية. ومن ناحية أخرى، كثير من الشرور التاريخية لا تستقر في أذهاننا، فقليل من الناس من إذا ذكر اسم شكسبير أو خالد بن الوليد يذكر هنأتهما الشخصية. ولا جدال في أن التاريخ ممتلئ بالشخصيات التي تتمثل فيها البطولة وبالمواقف الخلابة، وإذا وجد الأطفال في القصة الخيالية ما يشفي غليلهم، فلا يجد الدارسون ممن ارتقى بهم العمر في غير قصص التاريخ الحقيقية ما يهيج كوامن نفوسهم. وهل هناك ما يمنع من أن نضع لصغار التلاميذ قصصاً تاريخية في شكل جذاب تتجلى فيها الحقيقة، لهذه الأعمال أعمال حقيقية قام بها أناس