حقيقيون عاشوا على وجه الأرض. ثم هل من التعليم في شيء الإكثار من ملء عقول صغار الدارسين بخرافات وأوهام في مرحلة من العمر هم محتاجون فيها لضبط خيالهم، وفي وقت تناثر عقولهم بكل شيء، وأن هذه المعلومات المملوءة بالأوهام سوف تشكل ما يتلقونه من معلومات في المستقبل؟ وأخيراً لا نستطيع إنكار استفادة الإنسان من تجارب آبائه، واستفادة الأمم من تجارب من سبقها، فحياة الإنسان والأمم قصيرة ومعظم تجارب الإنسان ومعلوماته مستقى من الآخرين. ويمتاز الإنسان عن الحيوان بذكائه وقدرته الكبيرة على التعلم. وما نظم الحياة الحاضرة إلا تعديل لنظم الحياة الماضية. على أنه في دراستنا للماضي لا ينبغي نسيان الحاضر أو إهماله؛ فيجب دائماً ربط الماضي بالحاضر وتبين أثر الماضي في النظم الموجودة، كما يجب ألا تكون دراسة الماضي إعجاب فحسب، بل دراسة تفكير فيه ونقد له. ويلزم العناية بانتقاء الأمثلة التاريخية لأنها خير أثراً من كثير من النظريات الأخلاقية. وكلما كان المثل مأخوذاً من الحياة كان أكثر بقاء في النفس وأعمق قراراً فيها. وليست قيمة هذه الأمثلة مقصورة على عملها على استقرار الحياة وإنما في توجيهها لها. وفائدة هذه الأمثلة ليست في المبادئ التي تمثلها فحسب بل في الشعور والعواطف التي تستثيرها في نفس القارئ أو المتعلم. والتاريخ قصة لمحاولات الناس في سبيل الحياة، ولذا فدراسته ذات قيمة وفائدة لمن يتأهب للسير في هذا السبيل.