فعمد إلى الحيلة لإنقاذهم، فخاطب الشريف تليفونياً وسأله عن السبب فيما وقع فأجابه:
(إن العرب لا يرضونكم حكاماً عليهم بعد ما قتلتموهم، وأهنتموهم وعاديتموهم)
فقال له:(ما دام الأمر كذلك فأرسل من قبلك من تعتمد عليه لنسلمه السلاح والجند، فنحن لا نريد إراقة الدماء عبثاً) فقصد الشريف عبد المحسن البركاني على الفور لمقابلة درويش بك وأمر الثوار بالتفرق. فدخل الجند الثكنة فوراً وأخذوا السلاح وأخذوا أهبة النضال والقتال، ونبه أحد الضباط العرب الشريف إلى الحيلة والمكيدة، فنجا بنفسه
وهاجم الشريف محسن بن أحمد منصور جدة صباح الأحد في ١١ يونيو (حزيران) على رأس أربعة آلاف مقاتل، فتحصنت حاميتها التركية في شمالها وجنوبها، وصمدت للكفاح. وقد اشتركت - لأول مرة - ثلاث بوارج بريطانية. في هذا الهجوم يوم ١٣ منه وأصلت أماكن الترك نيراناً حامية. وكذلك طارت الطائرات البحرية البريطانية في سماء جدة يوم ١٤ منه وألقت على معسكر الترك منشوراً يعلن ثورة العرب على أحقاد جنكيز. وفي يوم ١٦ يونيو (حزيران) رفعت حامية جدة راية التسليم، فأنذرت بعدم إتلاف مدافعها وأسلحتها. وبلغ عدد الجنود الترك الذين استسلموا للعرب يومئذ (١٣٤٦) جندياً يقودهم (٤٧) ضابطاً مع غنائم كثيرة جداً
وفي يوم ٢٧ وصل إلى جدة (ولسن) باشا حاكم بور سودان يحمل كتباً إلى الشريف (حسين) يتضمن تهنئة العرب بالنصر والاستقلال ويعرب فيه عن الإعجاب والإكبار لهذه الأعمال المجيدة التي يقوم بها العرب، وقال انه من البريطانيين الذين يحبون الشرق ولا سيما العرب منذ نعومة أظفاره. وجاء في الكتاب أيضاً أن الحكومة البريطانية أرسلت مع هذه التهنئة والتحية قوة بسيطة من قبلها لمساعدة العرب في جهادهم الجبار. . .
وفي يوم ٢٥ شعبان سنة ١٣٣٤ و ٢٦ يونيو (حزيران) تم طبع منشور الثورة، وقد وضعه الشريف (حسين) بنفسه وبسط فيه الأسباب التي أهابت به إلى مقاتلة الترك بسطاً وافياً
ولا ريب أن أقطاب العثمانيين ريعوا لإعلان الثورة العربية في الحجاز، وكان جمال باشا أشدهم حسرة وألماً، لأنه أدرك أنه كان مخدوعاً، وعرف أنه لم يحسن التصرف مع (الحسين) وأبنائه الذين أفلتوا من يده بعد ما أخذوا المال والسلاح. ولقد كان فخري باشا