محافظ المدينة المنورة أول من تنبه إلى هذه الحقيقة، كان يدعو إلى الفتك بالشريف وأبنائه، ويشير باتباع سياسة الشدة والحزم في الحجاز فقال كلمته المأثورة:(لقد انتصر الذكاء العربي في هذه المرة على الذكاء التركي وفاز عليه).
وقبض فخري باشا على ناصية الحال في المدينة على الأثر، وأخذ يستعد لمنازلة العرب الذين نزلوا إلى ميدان النضال والصراع، وشرعوا يقاتلون الترك بلا هوادة ولا توقف ولا رحمة. . .
وكذلك نزل العرب إلى ميادين الكفاح لأول مرة بعد نزولهم الحرب أيام الجيش المصري، بقيادة البطل الخالد إبراهيم باشا من القاهرة إلى فلسطين عام ١٨٣١ لمقاتلة الجيش التركي ففتحها بدون صعوبة ولا عناء بفضل تأييد عرب فلسطين إياه وانضمامهم إليه، وأكثر من ذلك بفضل شجاعة الجندي المصري وقوة بأسه وشدة فراسته، وواصل التقدم إلى دمشق وإلى حلب فاحتلهما، وكان العرب يقاتلونه في كل مكان بالهتاف والتصفيق والاستبشار وينضمون إليه ويرون فيه محرراً ومنقذاً مما سنفصله تفصيلاً حين الحديث على فضل مصر على القضية العربية
على أن إقدام (الحسين) وأولاده على إعلان الثورة وهم مجردون من كل قوة منظمة، ولا يملكون سوى مقادير قليلة من البنادق، وهي التي أخذوها من الترك للمتطوعة، ولا يجهلون أنهم سيستهدفون لقتال قوات كبيرة تنزل في ديارهم، وتحيط بهم، وتسد عليهم المسالك، ومن ورائها جيوش جرارة، تسرع لنجدتها؛ وأن هذا الإقدام ينطوي ولاشك على كثير من الجرأة، وصدق العزيمة. ولو تسنى لفخري باشا بلوغ مكة كما تصور جمال باشا لقضي على الثورة وأبادها في مهدها، بيد أن ثبات رجال العرب في وجهه واستماتتهم في المقاومة والكفاح، جعله يعدل عن خطة الهجوم، ويكتفي بالدفاع، فاستصفى العرب بذلك مدن الحجاز الواحدة بعد الأخرى بعد أن نزل (الجيش العربي) إلى القتال، ثم اتجهوا نحو الشمال، لتحرير سورية وإنقاذ بلاد الشام
ولقد أظهر الجيش العربي في خلال الأدوار التي اجتازها أثناء الحرب الماضية من الشجاعة والإقدام - على حداثة عهده - ما نال إعجاب الأعداء قبل الأصدقاء، وجعل قادة الحلفاء وفي مقدمتهم اللورد (اللنبي) يعترفون بما أسداه من خدمات جلى. أما أهم المعارك