مبتدع يعالجها. وما الحرب إلا ظاهرة اجتماعية لبشر يعيشون على وجه الأرض، ولذا سيظل سلاحها الأساسي جيوشاً تعمل مثلهم على وجه الأرض
بعد الحرب الماضية بقليل، غمرنا الجنرال الإيطالي (دوهيه) بمقالات عديدة ومؤلفات كثيرة ما قرأها قارئ إلا انقاد لآرائه وسلم بصحتها. فوثق من أن حروب المستقبل القريب هي حروب الفناء، حين تبسط الطائرات أجنحتها من شرق السماء إلى غربها، وتنقض على البلاد تمحوها، وعلى معالمها تدرسها
ولم يكتف (دوهيه) بالوصف والتصوير، بل قدم برنامجاً مفصلاً شاملاً، لم يترك فيه صغيرة إلا ذاكرها، ولم يمنعه الإمعان الطويل في الزوايا والأركان، من الابتعاد بين الحين والحين ليرنوا إلى هيكل بنائه كاملاًن فيضع قواعده، ويرسم خطوطه، بحيث تتسق بداخله التفاصيل، وتتماسك لتكون وحدة لا تنفصم
ولكن ذاك البرنامج عسير التنفيذ إلا على دولة ملكت من الطائرات عدداً عديداً، وكان لها منها وفرة وفيرة. فيقوم الإيطالي يدعو بعدم (تبذير) الميزانيات على الجيوش والأساطيل، فهي في نظره أشياء لا نفع فيها، ويتشبث بوجوب إنفاق أموال الدولة كلها في سبيل بناء الطائرات، بل يذهب إلى أن يخص منها بالذكر القاذفات، ويهمل المقاتلات وطائرات الاستطلاع. ويجب علينا هنا الانتباه إلى إحساس (دوهيه) العميق: باستحالة ضمان السيطرة للطيران إلا إذا تمكنا من تركيز قوتنا في نوع واحد من الطائرات، ظنه قادراً على مجابهة جميع الطوارئ. وهذه لم تكن طوارئ بمعنى الكلمة، بل تيارات مرسومة يسيرها المهاجم كيفما شاء، (وهيهات أن تنعدم في هذا العالم المفاجئات)، فهو إذن مشروع جامد تنقصه المرونة اللازمة لكل أداة يريدها الإنسان لمجابهة مشاكل الكفاح في سبيل الحياة، تلك المشاكل التي لا تبرز مجسمة كل التجسم إلا أثناء الحروب التي هي أشد مظاهر كفاح الحياة تركيزاً وأعنفها صورة
ومع ذلك فقد أرتكن مشروع (دوهيه) هذا على كثير من الأسس الواهية
قسم (دوهيه) مراحل الهجوم إلى ثلاث؛ أولاها: مرحلة تحطيم مطارات الأعداء وتدمير قوتهم الجوية، فما يكاد يجهز عليها حتى ينتقل إلى مناطق الصناعة يدك أركانها ويقوض أساسها؛ ثم يلتفت أخيراً إلى مساكن المدنيين يصدّع أجنابها ويهدّم سُقفها. هي (الحرب