وهل عرف العرب التدخين حتى نرد السبب في تفوقهم إلى الدخان؟
هل دخن الجاحظ والغزالي وابن رشد والبحتري والمتنبي وأبو فراس؟
أترك التاريخ القديم وأذكر شواهد قريبة جداً من تاريخ مصر الحديث:
أعظم كاتب سياسي بإجماع الآراء هو المرحوم عبد القادر باشا حمزة، ولم يكن يدخن أبداً، وما أذكر أني رأيته طلب فنجان قهوة في أي وقت وهو يكتب أصعب المقالات
ومن عظماء كتابنا الأستاذ الزيات والأستاذ العقاد، وهما لا يعرفان التدخين. وهذا كلام لا يكاد يصدقه القارئ، ولكنه الواقع، ولا حيلة في إنكار الواقع
ولو أن الله أراد أن أنتفع بما تعلمت لتذكرت أني ألفت كتاب (الأخلاق عند الغزالي) وكتاب (النثر الفني) قبل أن أعرف التدخين، فمتى أنتفع بما تعلمت؟
أما بعد فقد دعاني إلى كتابه هذه الكلمة حوادث أغضبتني، لأن فيها دعاية إلى التدخين، وهو مرض يفتك بشبان هذا الجيل
الحادث الأول: في الأسبوع الماضي وقف الأستاذ زهير صبري يستجوب الحكومة في مجلس النواب عن تسعير الحاجيات الضرورية، فلما وصل إلى السجائر قال: إن السجائر قد غلت مع أن (كيف) القهوة والشاري لا يحلو إلا بسجارة (؟!) فهل فاته أن هذا الكلام إيحاء بأهمية السجائر في الحياة اليومية
الحادث الثاني: قي الأسبوع الماضي أيضاً (تفضلت) الإذاعة اللاسلكية فأذاعت أغنية تنطق بفضائل السجائر، أغنية منقولة عن أحد الأفلام السينمائية
وأنا سأثبت هذه الأغنية في هذا الحديث لغرض واحد: هو تأريخ الحياة الأدبية، فما يجوز لمؤرخ الأدب أن يترك شيئاً بلا تقييد، ولو كان في الدعوة إلى الدخان. وسأدعو الإذاعة اللاسلكية بعد ذلك إلى التفرقة بين جو الرواية وجو الغناء
عنوان الأغنية (خد سجارة وهات سجارة) وهي من الشعر الملحون:
السجارة في الحياة زّيي أنا ... تِتْحرق يضحي روحها لأجل غيرها
عمرها في الدنيا ما شاقت هنا ... تحيا بين النار عشان يرتاح ضميرها
خد سجارة، وهات سجارة
السجارة إن كنت يوم حتْدوق حنانها ... تلقي نفسك في حياة غير الحياةْ