من المعابد أو مسجداً من المساجد أو قصراً من القصور القديمة، أو عندما يقرأ وصفاً لهذه الآثار! ما الإحساس الذي تحسه النفس حين تقرأ وصف البحتري إيوان كسرى أو وصف ابن حمديس لقصور أمراء تونس!
وأخيراً ننتقل إلى قيمة التاريخ العظيمة في التربية الوطنية والإنسانية. يولد الإنسان في مجتمع تربط أفراده علاقات متعددة، لا يدري شيئاً عن نظم ذلك المجتمع وقوانينه التي هي كنز خلفه الماضي، ماضي بلدته وماضي وطنه وماضي الإنسان؛ فالنظم والمثل العليا التي عينت سير الإنسانية في الماضي لا زالت هي التي تعين وتحدد السير في الحاضر، ولا مناص للإنسان من تلقي هذه التركة بما فيها من أعباء ومسئوليات. وكيف يقوم بواجبه نحو ذلك التراث ونحو الوطن والمجتمع الإنساني إذا لم يدرس هذه التركة وقيمتها؟ وقد لاحظ من المفكرين هذه القيمة، فقالوا بتدريس التاريخ القومي والاهتمام به اهتماماً خاصاً. ظهرت هذه الفكرة بشكل واضح في بروسيا عقب كارثة سينيا، وانتشرت في أوربا بين الشعوب التي تتحفز للظهور والوحدة. رأت هذه الشعوب أن الوطنية الحق لا تقوم إلا على أساس الفهم لنظم الوطن، وتقدير التركة التي خلفها، وتحمل المسئولية التي تركها، ومعرفة أيام عظمته وأيام محنته والعمل على نشر الرسالة التي خلق من أجلها. والتاريخ حينما يذكر بمجد الوطن ومحنته هو نفس الوقت يدعو إلى المحافظة على تراث الوطن سليماً للمستقبل، إن لم يكن زائداً فغير منقصوص، لأنه يخلق العاطفة والشعور الذي يدفع الفرد إلى القيام بواجبه وتنير السبيل أمامه. على أن الغرض القومي لا يجوز أن ينسينا الأمانة العلمية وحب الحقيقة.
والتاريخ ليس سجلاً لماضي الوطن فحسب، فهو سجل لماضي الإنسانية كلها. والنفس ميالة بطبيعتها إلى معرفة ما خلفه الإنسان في كل مكان، ذلك الإنسان الذي تربطها به وشائج القرابة والنسب. ولن ينكر مثقف قيمة ماضي الإنسانية لحاضرها. ويدلل المفكر الإنجليزي جراهام ولاس على هذه القيمة بأنه لو فرض وأصيبت الأرض بصاعقة لنسى كل فرد العادات والمعلومات التي أخذها من الأجيال الماضية فتسعة أعشار سكان لندن ونيويورك سيموتون في مدى شهر، وتسعة وتسعون في المائة من الباقي سيموتون في خلال ستة أشهر إذ لا يكون لديهم لغة ولا أفكار ولا معرفة بالقراءة والكتابة. . . والإنسان محتاج إلى